للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كفر الإعراض والعناد خارج دائرة العذر بالجهل]

من التنبيهات المهمة في هذا الأمر أن كفر الإعراض والعناد لا دخل للجهل فيه، والكفر أنواع، فهناك كفر الجهل، وكفر الإعراض وكفر العناد.

فكفر الجهل مثل كفر النصارى، وكفر الجحود والعناد ككفر اليهود.

يقول الإمام الحافظ ابن القيم رحمه الله: العذاب يستحق بسببين: أحدهما: الإعراض عن الحجة، وعدم إرادتها والعمل بموجبها.

الثاني: العناد لها بعد قيامها، وترك إرادة موجبها، فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد.

وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم الحجة بالرسل، وهذا متعلق بقضية أهل الفترة ومن يلحق بهم.

وبين ابن القيم رحمه الله تعالى أن أتباع الكفرة من النساء والصبيان هم كفار وإن كانوا جهالاً، قال: فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله إما عناداً أو جهلاً، أو تقليداً لأهل العناد، وهؤلاء لا يكون التقليد عذراً لهم، كما قال تبارك وتعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [البقرة:١٧٠]، وقال تعالى: {قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:٢٢].

وفي الحديث حين يسأل الكافر في قبره: من ربك، وما دينك، وما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم فلا يهتدي لاسمه فيقال له: محمد عليه الصلاة والسلام يقول: (هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته) فهذا ليس بعذر له.

وقد نبهت في المقدمة على أن الكافر الأصلي لا يعذر بجهله؛ لأنه لم ينقد، ولم يعلن التزامه المجمل بدين الإسلام، فمن الظلم التسوية بين الكافر الجاهل وبين المسلم الجاهل كما سنبين -إن شاء الله فيما بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>