الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى باعتباره كان أحد القضاة الشرعيين، ومحدث الديار المصرية كما هو معلوم، يقول رحمه الله عز وجل في ذلك: هذه القوانين التي فرضها على المسلمين أعداء الإسلام السافرو العداوة هي في حقيقتها دين آخر، جعلوه ديناً للمسلمين بدلاً من دينهم النقي السامي؛ لأنهم أوجبوا عليهم طاعتها، وغرسوا في قلوبهم حبها وتقديسها والعصبية لها، حتى لقد تجري على الألسنة والأقلام كثيراً كلمات تقديس القانون، قدسية القانون، حرمة المحكمة، ويقولون: وحصل منه ذلك في حرم المحكمة ولا حرم في الدنيا إلا مكة والمدينة، حتى بيت المقدس لا يسمى حرماً، فالآن أهينت الكلمة ويقولون: الحرم الجامعي، بل يقولون: ممنوع إلقاء الزبالة في حرم سكة الحديد، كل شيء أصبح له حرم حتى هذه المحاكم، يقول: حرمة المحكمة، وحرم المحكمة، حتى المحامي تجده يصف القاضي بعبارات التفخيم والثناء والمديح، مثل: عدالتكم، وكيف يكون عادلاً وهو يحكم بغير ما أنزل الله؟! من أين يأتيه العدل إذا كان في أحكامه يرفع راية غير راية الإسلام، وشريعة غير شريعة الإسلام؟ فهذه القوانين ليس لها مكان غير تحت موضع القدم، حيث تداس الأقذار والنجاسات، والدليل: قول النبي عليه الصلاة والسلام في أكبر محفل شهده مع الصحابة في حجة الوداع: (ألا كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي) هذه صيغة عموم، ربا الجاهلية، تبرج الجاهلية، حمية الجاهلية، ظلم الجاهلية، حكم الجاهلية، فهذا مكانها تحت الأقدام لا فوق الرءوس، فكيف نصف من يتحاكم إليه بعدالتكم وفخامتكم إلى آخره؟! يقول: وأمثال ذلك من الكلمات التي يأبون أن توصف بها الشريعة الإسلامية، وآراء الفقهاء الإسلاميين، بل هم حينئذ يصفونها بكلمات الرجعية، والجمود والكهنوت وشريعة الغاب، إلى أمثال ما ترى من المنكرات في الصحف والمجلات والكتب العصرية التي يكتبها أتباع أولئك الوثنيين.
ثم بين كيف تدرج الأمر بالمسلمين فصاروا يطلقون على هذه القوانين ودراستها كلمة: الفقه والفقيه، والتشريع والمشرع، حتى القوانين أصبح فيها فقيه في القانون ومشرع، ويكون المشرع الحكيم قصد من هذه العبارة الطاغوت الذي يحل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله، المحامي في نفاقه ودجله يمتدح المشرع ويقول: المشرع الحكيم.
ثم بين الشيخ أحمد شاكر رحمه الله أن المسلمين انحدروا درجة، وتجرءوا على الموازنة بين دين الإسلام وشريعته وبين دينهم المفترى الجديد، ثم بين كيف وصل الحال بهم إلى الدرك الأسفل، فنفوا شريعتهم الإسلامية عن كل شيء، وصرح كثير منهم في كثير من أحكامها القطعية الثبوت والدلالة بأنها لا تناسب هذا العصر، وأنها شرعت لقوم بدائيين غير متمدنين، فلا تصلح لهذا العصر الإفرنجي الوثني خصوصاً في الحدود المنصوصة في الكتاب والعقوبات الثابتة في السنة.
إلى أن قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: وقد ربى لنا المستعمرون من هذا النوع طبقات أرضعوهم لبان هذه القوانين، حتى صار منهم فئات عالية الثقافة واسعة المعرفة في هذا اللون من الدين الجديد الذي نسخوا به شريعتهم، ونبغت فيهم نوابغ يفخرون بها على رجال القانون في أوروبا، فصار للمسلمين من أئمة الكفر ما لم يبتل به الإسلام في أي دور من أدوار الجهل بالدين في بعض العصور، وصار هذا الدين الجديد هو القواعد الأساسية التي يتحاكم إليها المسلمون في أكثر بلاد الإسلام، سواء منها ما وافق في بعض أحكامه شيئاً من أحكام الشريعة وما خالفها.
يقول أيضاً: والذي نحن فيه اليوم هو هجر لأحكام الله عامة بلا استثناء، وإيثار أحكام غير حكمه في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتعطيل لكل ما في شريعة الله.