يقول: والملاحظ لتاريخنا يجد قضية التكفير أو الردة قد طرحت بعمق وبقوة في صدر خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه حين ارتد العرب لجملة أسباب، ثم استطاعت الدولة الإسلامية ردهم إلى الإسلام, وتجلوا بحرب أهلية طاحنة، وبعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنهم قامت فرق عدة مثل: الشيعة والخوارج والمرجئة والقدرية والمعتزلة؛ فناقشت فيما ناقشت قضية مرتكب الكبيرة، وهل هو مسلم أم كافر، فطرحت قضية التكفير طرحاً فكرياً، وحاولت كل فرقة أن تسهم في هذا النقاش، وتستدل بالنصوص على ما ذهبت إليه، ثم نسيت القضية أو كادت، واستودعت في بطون الكتب، ومرت قافلة أهل السنة والجماعة في طريقها، ونبذت وتناست وتجاهلت هؤلاء المنحرفين؛ حتى طرحت مجدداً في الستينيات من القرن العشرين، وكان لابد للطرح الجديد أن يعتمد على النصوص، وأن يدخل قضايا جديدة ويناقشها، ويصدر أحكاماً حولها.
وقضية التكفير تكتنف الكثير من المحاذير، ولها أضرار كثيرة، وإثارتها باستمرار على عموم الناس الذين ليس لهم رصيد كافٍ من العلم الشرعي ربما أوقع كثرة الكلام فيها إلى تهوين أمور المعاصي في عيونهم؛ نظراً لكثرة الكلام على العذر بالجهل، وأن مرتكب الكبيرة ليس بكافر، وهكذا، فنقع في نفس المحذور الذي حذره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما أخبر معاذ بن جبل رضي الله عنه، وما منعه من أن يخبر الناس من قبل إلا خشية الإثم، وهو قوله:(من مات وكان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال: أفلا أبشر بها الناس؟ قال: إذاً يتكلوا)، فكثرة الكلام أمام الناس الذين لا تطيق عقولهم ضبط هذه القضايا قد يوقعهم في هذا الاتكال، ويقعون فريسة لتغيير الشيطان، حتى إن بعض الناس ربما ظن أن الجهل شيء يعذر به، مما يدفعه إلى أن يتمادى فيه حتى لا تقوم عليه الحجة، فينبغي الحذر وأن نرفع تلك القاعدة التي أرساها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حينما قال:(ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) فيراعي الإنسان طبيعة الذين يخاطبهم في هذه القضية، لما يكتنفها من الكثير من الشبهات.