يقول الدكتور القرضاوي: وهذا في الحقيقة تجميد وتغيير، فهناك ناس كثيرون يستفتون ويريدون أن يعرفوا الحلال من الحرام، فهل كل من سأل في حكم شرعي يسأل وهو يخرج لسانه للإسلام؟! هذا غير واقع في الحقيقة، بالعكس الأصل في الناس والغالب عليهم -ولله الحمد- أنهم حينما يسألون يريدون أن يطبقوا حكم الله سبحانه وتعالى في القضية، فهل إذا انفصلت السياسة أو الدولة أو الحاكمية عن الشريعة واتجه وانحرف المجتمع إلى العلمانية، هل معنى ذلك: أن نأتي نحن بفأس ونحطم أيضاً البقايا الموجودة في مواقف أخرى في المجتمع أو في قاعدة المسلمين العريضة؟! نحطم ونقول: ناس كفار ليس لهم علاقة بالإسلام والاشتغال بالفقه وبالحلال والحرام، والناس تخرج لسانها للإسلام، ثم تقول: ما حكم الإسلام في كذا؟ كلا.
هذا ليس واقع الناس، ليس كل من يسأل يخرج لسانه للإسلام، ويقصد الاستهزاء أو غير ذلك، إنما تسأل الناس في الحقيقة حتى تحترم دينها، وحتى تطبق ما عجزت عن تطبيقه في المجتمع تطبقه في أنفسها؛ لأن هذا داخل في طاقتها.
يقول الدكتور القرضاوي: وهذا في الحقيقة تجميد وتغيير، فهناك ناس كثيرون يستفتون ويريدون أن يعرفوا الحلال من الحرام، يريدون أن يعرفوا البنوك وما بها؟ التأمين ماذا نفعل فيه؟ هل توجد بدائل شرعية؟ لماذا لا نجتهد كما قال الأخ الدكتور عويس؟ لماذا لا نضع حلولاً؟ إن هذا كله مبني على فكرة المركزية: هي فكرة أنه لا يوجد مجتمع مسلم.
والدكتور القرضاوي هنا يلمح فقط للقضايا المعاصرة التي جدت، لكن ليس فقط الذي نحتاجه هو القضايا المعاصرة، بل نحن نحتاج إلى مخاطبة الناس في دينهم، فأين المسلم الذي لا يتوضأ أو لا يصلي أو لا يتزوج أو لا يطلق أو لا يبيع أو لا يشتري؟ أليست الشريعة الإسلامية غطت كل هذه المجالات من الحياة؟ فإذاً: كيف نطالب الناس أن تهجر الكلام في الحلال والحرام بناءً على أنهم غير مسلمين أصلاً، ونقول: إن من الهزل أن نخاطبهم في الحلال والحرام والتعليم إلى آخر ذلك؟! كل مسلم مطالب بأن يتعلم، ويجب أن يتعلم قدراً معيناً يقيم به عبادته.
يقول الدكتور القرضاوي: إن هذا كله مبني على فكرة مركزية: هي فكرة أنه لا يوجد مجتمع مسلم، وأن المسلمين الذين يدعون أنفسهم مسلمين هؤلاء ليسوا مسلمين؛ لأنهم موالون للجاهلية الحديثة، ولذلك يجب أن يقوم كل هذا الفكر.
إن سيد قطب قدم الكثير للفكر الإسلامي، وقدم بعد ذلك دمه وعنقه في سبيل الله، وهو مجتهد أصاب أم أخطأ، هو مأجور على الاجتهاد ولكنه ليس معصوماً، كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا فمن الإنصاف لـ سيد قطب، ومن الإنصاف للفكر الإسلامي، ومن الإنصاف للحركة الإسلامية، ومن الإنصاف للمسلمين، ومن الإنصاف للإسلام نفسه: أن نقوم فكرة سيد قطب الآن، وبعد أن مضت مدة على استشهاده؛ لأن أي كلام قبل ذلك ربما اعتبر كأنه انضمام إلى خصوم سيد قطب، ولكن بعد مضي هذه السنين يمكننا أن نراجع تفكيره وإنتاجه، ونقومه بميزان الكتاب والسنة، وبميزان الأصول التي عندنا، نسأل الله أن يغفر له ويرحمه ويجزيه خير ما يجزي العاملين المخلصين للإسلام، وأن يغفر لنا جميعاً.