يقول: يبقى سؤال هام: هل مثل هذا الجهد يكفي وحده؟ أجيب صراحة: لا؛ لأن الكثير من الحكومات التي تحكم شعوباً مسلمة تضغط عليهم ضغطاً لا يمكن حصوله إلا من عدو، أو من حاكم متواطئ مع العدو، أو عامل بنصائح الأعداء، فهذه السجون التي تغط بالشباب المسلم، وهذه المقاتل بالسر والعلن التي تنصب للشباب المسلم كلها ستدفعه ليكفر هؤلاء الحكام.
يقول: وهل سمع أحد بوزير داخلية في دولة تحترم نفسها يصرح بأن قوانين الطوارئ لا تنفذ إلا على الجماعات الإسلامية، ثم لا يكون من بين ردود الفعل تكفير مثل هذا الحاكم أو ذاك.
يقول: لكن هذا التعسف باستعمال السلطة ضد الشباب المسلم، والذي يصفق له العالم بشرقه وغربه، لا يعفينا من مسئولية بيان الحق من الباطل والصواب من الخطأ، فإن كانت الحكومات جادة في محاربة التطرف -كما تسميه- فلتكف هي عن السماع للشيطان، فإنه لا ينصح إلا بإعدام هذا الشباب؛ لأنه يعاديه حتى الموت، لا لأنه متطرف، بل لأنه مسلم، فالحقيقة جريمة هؤلاء الشباب أنهم يعادون لأنهم متدينون، ولأنهم مسلمون، ثم يغطي القوم هذه الحرب بتلك التسمية الخبيثة: متطرف.
يقول: والمسلم الملتزم صار أكثر خطورة من غيره في نظرهم.
ثم ذكر بداية التقائه ببعض العائدين من هؤلاء الشباب الذين قابلهم في القاهرة في السبعينات التي حضر فيها رسالة الدكتوراه، يقول: التقيت بعض الشباب الذين قد كانوا خرجوا من السجن، وشعرت بأن ثمة تركيزاً كبيراً على قضية التكفير، فلما علموا أن موضوع البحث الذي كان يعده كرسالة هو موضوع الردة أو ظاهرة الردة دهش الشباب، وعلق بعضهم قائلاً: هل أنت من هواة الفقه أم من المحترفين؟! ثم قال له: حالك وهيأتك توحيان بأنك مجرد هاوٍ على أي الأحوال، هو يشير أيضاً إلى فكر جديد طرأ في الساحة الإسلامية في ذلك الوقت: أن الإنسان حتى يوصف بأنه رجل شريف موثوق به لابد أولاً أن يكون قد دخل السجن، وإن لم يكن سجن فهو متهم ومشكوك في نيته.
يقول: يكفي في البلاد العربية أن يسجن الإنسان لغير جريرة حتى تحكم عليه بأنه شريف، وعلى حد قول أحد الأساتذة المصريين: لقد جمع الحكم العلي الظالم كل الشرفاء، وأودعهم السجون، ومن بقي فلا شرف له، يقول هذا الأستاذ: وأنا منهم.