[بيان معاني نصوص الوعيد التي يستدل بها المعتزلة والخوارج]
يقول: وأنا ذاكرها بأسانيدها وألفاظ متونها، ومبين معانيها بتوفيق الله، ثم ذكر بأسانيده حديث أسامة بن زيد وسعد بن أبي وقاص وأبي بكرة رضي الله عنهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام)، وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من انتسب لغير أبيه لم يرح بريح الجنة، وريحها يوجد من مسيرة سبعين عاماً)، فمثل هذه الأحاديث يفهم منها أنه حرمت عليه رائحة الجنة، فأخذوا منها أنه كافر كفراً أكبر، مثل: المشرك النصراني الذي يعتقد أن الله ثالث ثلاثة، ومثل: اليهود والمجوس كلهم سيان، ويستدلون بمثل هذا الحديث:(فالجنة عليه حرام)، كذلك حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قتات)، أي: نمام.
ففهموا أن الشخص الذي يمشي بين الناس بالنميمة يحرم عليه الجنة، فيستدلون بهذه النصوص على كفر من ارتكب هذه المعصية.
والجواب على هذا: أن نجمع بين هذا الحديث وبين مرور النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قبرين فقال: (إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس، ثم وضع النبي صلى الله عليه وسلم جريدتين رطبتين على قبريهما وقال: اللهم خفف عنهما ما لم ييبسا)، يعني: ما دامت الجريدتان رطبتين لينتين؛ فيدعو الله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا.
الظاهر من الحديث أنهما ماتا بغير توبة؛ لأنهما إذا كانا تابا توبة صحيحة فالتوبة مقبولة.
فالشاهد قوله:(اللهم خفف عنهما ما لم ييبسا)، فدخولهما تحت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم يؤيد أنهما ليسا بكافرين وليسا من المشركين؛ لأن الله حرم المغفرة والاستغفار والجنة على المشركين، ففي ضوء هذا يفهم هذا الحديث:(لا يدخل الجنة قتات)، يعني: نمام.
وحديث أبي أمامة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال رجل: وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال: وإن كان قضيباً من أراك)، الأراك هو عود السواك، لو كان الذي اغتصبه أو سرقه بهذا اليمين أو استولى عليه بغير حق هو عبارة عن عود من السواك فقد حرم الله عليه الجنة.
وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يدخل الجنة نمام، ولا عاق، ولا مدمن خمر)، وحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع)، أي: قاطع رحم، وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، ورجلة النساء)، أي: المرأة المسترجلة التي تتشبه بالرجال في ملابسها أو هيئتها أو كلامها إلى آخره، وحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن خمر، والمنان بما أعطى)، وحديث أبي بكرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من قتل نفساً معاهدة بغير حقها حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها)، يعني: من قتل يهودياً أو نصرانياً من الذين لهم ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يحرم عليه الجنة؛ فهذا يحرم قتله لأنه معصوم، والمعصوم إما المسلم وإما الذمي.
إذاً: الذمي المعاهد لا يجوز ظلمه ولا قتله ولا الاعتداء على ماله ولا نفسه؛ لأنه إذا كان من أهل الذمة فبينه وبين المسلمين ذمة وعهد؛ فلا يجوز أن تخفر هذه الذمة أو تنقض.