[حدود الإسلام وأركانه من وجهة نظر الكاتب]
مررنا على معظم القضايا التي هي محل أخذ ورد فيما يتعلق بكتاب حد الإسلام، والذي ذكرنا أنه يقوم على اعتبار أن حد الإسلام يتكون من ركنين: الأول: تصديق خبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جملة وعلى الغيب.
الثاني: التزام شريعته جملة وعلى الغيب.
وذكرنا أيضاً: أنه يعتبر أن لهذا الحد ثلاثة أركان: النسك، والولاية، والحكم.
وذكر أن تحقيق التوحيد في هذه الأركان الثلاثة هو الحد الأدنى من الدين الذي يجب تحققه في كل إنسان حتى تثبت له صفة الإسلام ابتداءً، والذي يؤدي تخلفه أو تخلف جزء منه إلى تخلف الدين كله.
وناقشنا تفاصيل القضية في النسك والولاية، وشرعنا في الكلام على الركن الثالث، وهو: نفي الحكم عن غير الله عز وجل.
وذكرنا أن فكرة الكاتب في هذا المقام تتلخص في أن قبول شرع الله ورفض ما سواه، له تعلق بالتوحيد في جانبيه القولي والعملي، فهو يتعلق بالتوحيد القولي من حيث كونه إثباتاً لصفة من صفات الله عز وجل وهي صفة الحكم، ويتعلق بالتوحيد العملي من حيث كونه ركناً من أركان العبادة، وذكرنا أن هذه النقطة الأولى هي محل خلاف؛ لأن الآيات والنصوص تواترت على أن لا حكم إلا لله.
فلا شك أن قضية الحكم وإفراد الله عز وجل بالحاكمية من الأركان الأساسية لعقيدة التوحيد، وبين الله عز وجل أن الشرك في الحكم تماماً مثل الشرك الذي يكون في العبادة، كما قال الله عز وجل: {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:١١٠]، وقال في الحكم: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف:٢٦]، فسمى هذا شركاً كما سمى هذا شركاً، وقال عز وجل: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:٢١]، وقال عز وجل: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة:٣١]، والآيات في هذا كثيرة جداً والتي تتعلق بالفكرة الأولى التي أتى عليها هذا البحث.
الفكرة الثانية: أن قبول التكليف من غير الله عز وجل كفر أكبر بغض النظر عن هذا التكليف، يعني: سواء كان هذا التكليف بما يخالف شريعة الله عز وجل أو بما يوافقها، أما الاستجابة لرواية فليس لها تكييف شرعي محدد، وإنما تتوقف على نوع الفهم.
وسبق أن ذكرنا أن هذا الكلام ليس على إطلاقه، فمجرد قبول التكليف لا يشترط أن يكون كفراً أكبر على التفصيل الذي ذكرناه.
كذلك قال: إن قبول شرع الله يتحقق بعدم الرد -وهو الإباء- من قبول الفرائض والأحكام، وقبول شرع غيره يتحقق بعدم الرد، وأدنى درجة الرد: كره القلب، ودلالته الاعتزال وعدم المشايعة بالعمل عليه.
الفكرة الثالثة هي: رفض الكاتب تفسير الربوبية في بني إسرائيل المذكور في قوله عز وجل عن بني إسرائيل: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة:٣١]، فهو قدر هذه الربوبية بأنها طاعتهم في الاعتقاد، واجتهد في إثبات ذلك تعدد من الأدلة، مبيناً أن في تفسيرها بالطاعة في الاعتقاد من اللوازم الفاسدة ما يرده أكثر العقلاء.