يقول الدكتور محمد سليم: ولقد كنت أتمنى أن يعرج الباحث -أي: الدكتور جعفر - على أمرين، وذلك عندما تحدث عن أهمية كتاب المعالم: الأمر الأول: أن الأستاذ سيد رحمه الله في نهاية مقدمته للكتاب قرر أن هذا الكتاب لا يتضمن كل معالم الطريق، وإنما يتضمن بعضها، وهو يسأل الله أن يعينه على إخراج عدد آخر من المعالم، وعلى ذلك يكون ما ذكر في كتاب المعالم إنما هو ما استطاع سيد قطب رحمه الله في حياته المقدرة التي ابتترت باستشهاده أن يقدمه للناس.
ولنا مأخذ على كلمة (ابتترت)، فنحن أهل السنة والجماعة نعتقد أن المقتول ميت بأجله، فهو أجله المكتوب أنه ينتهي إليه، كما يقال:(تنوعت الأسباب والموت واحد)، فما يليق أن تستعمل عبارة:(ابتترت)؛ إذ إنها تعني أنه مات قبل أوانه، كما يقال: المولود المبتتر الذي هو غير ناضج.
أي: الذي يولد قبل أن يتم تسعة أشهر في بطن أمه، فهذا التعبير غير مقبول، فلكل أجل كتاب، فهذا الأجل سبق أن كتبه الله عز وجل وقضى به، فلا نقبل كلمة (ابتترت بالشهادة) فلقد عهدناه -رحمه الله- رجاعاً إلى الحق قبالاً للنقد، يشهد بذلك النظر في طبعتي الظلال الأولى والثانية، وهذه ظاهرة حقيقية، وهي أن الأستاذ سيد رحمه الله كان إذا نبه على شيء من الخطأ يرجع فوراً عنه ويعدله فيما بعد أو ما أمكنه ذلك، وهنا مثال من الأمثلة المشهورة، وأنا أنبه عليه حتى إذا سمعنا من يأخذ عليه في هذه المسألة أجبناه بالجواب الذي نذكره، ففي الطبعة الأولى في تفسير سورة الحديد حكى بعض العبارات فهم بعض الناس من عمومها القول بوحدة الوجود، فلما نبه -رحمه الله- على ذلك رجع في الطبعة الثانية مباشرة عن ذلك، وعاد إلى الحق في هذه المسألة، وأتى بالعبارات الصريحة التي تذهب هذا الإيهام رحمه الله تعالى.
الأمر الثاني: مسألة الظروف التي كتبت فيها المعالم، بل الظروف التي كتبت فيها الطبعة الثانية من الظلال التي استخرجت منها أربعة فصول بالغة الأهمية من فصول المعالم.
لقد كتبت الطبعة الثانية من الظلال وكتب المعالم كله بعد محنة ألف وتسعمائة وأربعة وخمسين التي تعرضت لها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتي كان ينتمي إليها سيد قطب رحمه الله، هذه المحنة وظروف السجن الذي قضى فيه عشر سنوات ما أثرها في فكره؟ ما أثرها في تعبيره؟ وما أثرها في اختياره للمنهج؟ وما أثرها في حكمه على المجتمع داخل السجن وخارجه؟ ثم ما أثرها في التأثير في هذه الطليعة المؤمنة -كما سماها- وهذه الجماعة من الناس؟ ذلك التأثير الذي أشعرهم بأنهم وحدهم الأمة المسلمة، وإن لم يكن هو قد سماهم نصاً الأمة المسلمة وحدهم دون سواهم، لكنه سماهم في غير موضع الجماعة المؤمنة، والأمة المؤمنة إلى آخره.
هاتان المسألتان كنت أود أن يشير إليهما الدكتور جعفر، وليته يفعل حين يعيد النظر في ورقته تمهيداً لنشرها، والحمد لله رب العالمين.