أيضاً إذا قال قائل: الحد الأدنى من التصديق، والحد الأدنى من الالتزام الذي يصح به عقد الإسلام؛ لابد أن يكون متماثلاً في الناس جميعاًَ، وقد ذكرنا من قبل: أن كونه يظن أن هذا هو الحد الأدنى، فمن المفروض في باب التعريفات والحدود ذكر كل ما يتعلق بالحد لا ذكر بعض حقائقه، فكلمة (الحد) لا يذكر فيها الحد الأدنى، بل تذكر كل الحقيقة كما أشرنا، فإذا قال قائل: الحد الأدنى من التصديق والالتزام الذي لا يصح عقد الإسلام إلا به، لابد حينها أن يتماثل في الناس جميعاً، فهو من هذه الناحية لا يتبعض ولا يزيد ولا ينقص، فما الجواب على ذلك؟
الجواب
أن هذا القدر -الحد الأدنى من التصديق والالتزام الذي لا يتبعض ولا يزيد ولا ينقص- لا يمكن ضبطه، ولا يمكن أن نتصور وجوده إلا في الظاهر، حيث يمكن أن يقال: إن الواجب على الناس جميعاً أن يعلنوا التزامهم المجمل بالإسلام تطبيقاً وانقياداً، ويعلنوا براءتهم من كل دين يخالف دين الإسلام، فما هو الشيء الذي يمثل هذا الأمر الظاهر؟ هو النطق بالشهادتين، فهما اللتان تترجمان وجود التصديق المجمل والالتزام المجمل، ونحن لا نملك إلا قبول ظاهر الناس، فمن شهد الشهادتين، فهذا يعني: أنه يصدق تصديقاً مجملاً بكل ما أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويلتزم التزاماً مجملاً أيضاً بشرائعه، ويثبت له بالشهادتين عقد الإسلام.
فالذي يمكن ضبطه وتصور وجوده هو في المجال الظاهر بإعلان الالتزام المجمل بالإسلام تصديقاً وانقياداً، والبراءة من كل دين يخالفه، فهذا يتمثل في شهادة التوحيد، والشهادة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة، ففي هذا الحد يتماثل الناس جميعاً.
أما على الحقيقة فهم فيها يتفاوتون تفاوتاً عظيماً، وبضميمة أفعال القلوب وأحوال القلوب يحصل التفاوت، لكن الظاهر هذا هو الحد الذي يتساوى فيه جميع الناس من حيث الحكم لهم بالإسلام، أما الحقيقة فهم يتفاوتون، بل قلنا: إنه يتفاوت في الشخص الواحد ما بين حالة وأخرى، ولا يمكن تصور حد أدنى متماثل عند كافة الناس؛ لأن إيمان كل إنسان يخصه، والزيادة والنقص تكون بحسب حالته هو لا بحسب حد أدنى مشترك يمثل مقياساً خارجياً للزيادة والنقصان.