[تبرئة سيد من أن كتاباته في السجن كانت ردود فعل لا أكثر]
أيضاً هناك مظاهر أخرى حاول بها نفس الكاتب -وربما غيره أيضاً- أن يبعد اتجاه سيد قطب عن الاتجاه الإسلامي، بأن قال: إن كتابات سيد قطب هي عبارة عن رد فعل لما عاناه في السجن، خاصة المعالم والظلال كتبها أساساً في فترة سجنه، وهذا شيء عجيب يستنكر ممن يحاول أن يقول: إن هذه الأشياء رد فعل لما يعانيه بصفته مسجوناً يعاني آلام السجن، ويرغب في الحرية، وإلى آخره.
ومن باب الإنصاف، هذا لا يقال في حق الأستاذ سيد قطب رحمه الله؛ لأن الشخص الذي يقلقه السجن، ويؤرق مضجعه، ويرغب في الحرية، ويرغب في تحصيل مقاصد الدنيا، كان أولى أن يقبل منصب الوزارة لما عرض عليه، وكان أولى أن يكتب رسالة اعتذار وخنوع للطاغية، وبالتالي كان سيفوز بما يريده من الدنيا، بل أقوى من هذا وهذا في الدلالة على براءته من هذا التعليل المرفوض: هو ذلك الفصل الواضح الصريح في كتابه معالم في الطريق، واسمه هذا هو الطريق، تكلم فيه عن أصحاب الأخدود، وهو يقول: هذا هو الطريق، ومن يقرأ هذا الفصل بتمعن يدرك بأنه يتحدث عن حاله وعما يتوقعه لنفسه من مصير، وهذا الفصل من أروع ما كتبه رحمه الله، وكأنه يقول: هذا هو طريق التضحية، فرجل ثبت على مبدئه، يكتب هذه الكتابات وهو في السجن، هذا ليس سلوك من يريد الدنيا، ولا من يريد السلامة والعافية.
ما كان له أن يكتب مثل هذا لو كانت هذه الكتابات مجرد رد فعل للسجن، نحن لا ننكر أن السجن كثيراً ما يولد لنا أفكاراً غريبة، بالذات في فترة السبعينيات وغيرها، فقد ولدت اتجاهات التكفير التي انطلقت ربما في بعض منطلقاتها أساساً من كتابات سيد قطب والمودودي أو غيرهما، ولا يوجد شك أن ردود فعل حصلت فيها نوع من المبالغة والغلو في مقابلة ما لاقاه هؤلاء من تعذيب واضطهاد وتشريد ونكاية انعكست في مواقفهم الفكرية.
على أي الأحوال نحن في منجى ومنأى من هذه المردودات إذا عدنا إلى الأصل الذي لا يتأثر بالظروف وهو منهج أهل السنة والجماعة، والقواعد الثابتة التي وضعها علماء السلف الصالح في ضبط هذه القضايا التي تسلم من مثل هذه المردودات.