كان للأستاذ سيد رحمه الله اهتمامات سياسية وهو لا يزال طالباً في المرحلة الابتدائية، وحدثنا في الابتدائية عن القصائد التي كان ينظمها، والخطب التي كان يكتبها داعياً فيها إلى تأييد ثورة ألف وتسعمائة وتسعة عشر، وازدادت اهتماماته السياسية بعد انتقاله للقاهرة عندما كان تلميذاً للعقاد، الذي ارتبط أدبه بالسياسة، وخاض معارك ضارية ضد بعض الأحزاب، وكان سيد رحمه الله ساعده الأيمن في هذه المعارك الأدبية منها والسياسية.
ومن تجاربه الغنية في هذا الميدان: رحلة أمريكا، وما شاهده فيها من تناقضات ومن مواقف حاقدة ضد الإسلام والمسلمين، والمرحلة التي سبقت دخوله السجن، أي من عام ألف وتسعمائة وخمسين، وهو تاريخ عودته من الولايات المتحدة حتى عام ألف وتسعمائة وأربعة وخمسين، هذه الفترة وحدها كافية لتكوين نضوج سياسي عنده، ومن الكتب الإسلامية السياسية التي أصدرها في هذه المرحلة: معركة الإسلام والرأسمالية، السلام العالمي والإسلام، دراسات إسلامية.
يقول رحمه الله في معالم في الطريق، في فصل التصور الإسلامي والثقافة: إن الذي يكتب هذا الكلام إنسان عاش يقرأ أربعين سنة كاملة، كان عمله الأول فيها هو القراءة والاطلاع في معظم حقول المعرفة الإنسانية، ما هو من تخصصه وما هو من هواياته، ثم عاد إلى مصادر عقيدته وتصوره.
الحقيقة ونحن نتلو هذا الكلام نذكر عبارة عمر رضي الله عنه: يوشك أن تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية.
هو يريد أن يقول: إنني عرفت الجاهلية جيداً، وسبرت أغوارها، وعشت في معمعتها، فلذلك استشعر نعمة الإسلام العظيمة حينما انتقل من هذا الظلام المطبق إلى ذلك النور العظيم الذي هو نور الوحي ونور الإسلام.
يقول: إن الذي يكتب هذا الكلام إنسان عاش يقرأ أربعين سنة كاملة، كان عمله الأول فيها هو القراءة والاطلاع في معظم حقول المعرفة الإنسانية، ما هو من تخصصه وما هو من هواياته، ثم عاد إلى مصادر عقيدته وتصوره، فإذا هو يجد كل ما قرأه ضئيلاً ضئيلاً إلى جانب ذلك الرصيد الضخم، وما كان يمكن إلا كذلك، وما هو بنادم على ما قضى فيه أربعين سنة من عمره، فإنما عرف الجاهلية على حقيقتها، وعلى انحرافها، وعلى ضآلتها، وعلى قزامتها، وعلى جعجعتها وانتفاشها، وعلى غرورها وادعائها كذلك، وعلم علم اليقين أنه لا يمكن أن يجمع المسلم بين هذين المصدرين في التلقي.
إذاً: عاش أربعين سنة رحمة الله يقرأ ما هو من تخصصه وما هو من هواياته، ولم تكن حياته قاصرة على القراءة، بل كانت الخبرة لا تقل أهمية عن القراءة، ولهذا فقد كتب رحمه الله كتابات ناضجة، حول الموضوعات التالية: الصهيونية، الصليبية، الشيوعية، الرأسمالية، الاستبداد والعبودية والذل، الاستعمار وأساليبه، فضائح الحضارة الغربية.
هذه أمور انفرد فيها الأستاذ سيد قطب رحمه الله عن غيره من المجددين المعاصرين الذين حرموا هذه الخبرة، وهذا النضوج السياسي، وكانت مواقفه السياسية لا تنفصل عن عقيدته، وحسن فهمه للإسلام، ثم تقول مجلة البيان: هذه أهم الجوانب التجديدية عند الأستاذ سيد قطب رحمه الله.