[عقيدة الخوارج والمعتزلة والمرجئة في الفاسق من أهل القبلة]
إن ما تمسك به الخوارج والمعتزلة وأضرابهم من التشبث بنصوص الكفر والفسوق الأكبر، واستدلالهم به على الأصغر، فذلك مما جنته أفهامهم الفاسدة وأذهانهم البعيدة وقلوبهم الغلف.
فضربوا نصوص الوحي بعضها ببعض، واتبعوا ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، فقالت الخوارج: المصر على كبيرة من زنا، أو شرب خمر، أو ربا كافر مرتد خارج من الدين بالكلية، لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولو أقر لله تعالى بالتوحيد وللرسول صلى الله عليه وسلم بالبلاغ، وصلى وصام وزكى وحج وجاهد، وهو مخلد في النار أبداً مع إبليس وجنوده، ومع فرعون وهامان وقارون.
وقالت المعتزلة: العصاة ليسوا مؤمنين ولا كافرين، ولكن نسميهم فاسقين، فإذا سألناهم ما معنى الفسق عندكم؟ قالوا: الفسق منزلة بين المنزلتين، لا هو مؤمن ولا هو كافر، وهذا هو أصل بدعة التوقف، يقول: أتوقف حتى يتبين لي، ولا نحكم له بإسلام ولا بكفر، وهذا إن شاء الله سنناقشه بالتفصيل.
لكن المعتزلة قضوا بتخليده في النار أبداً، فوافقوا الخوارج مآلاً، وخالفوهم مقالاً، وكان الكل مخطئين ضلالاً.
وقابل ذلك المرجئة، وكانوا على الطرف الأقصى، يعني: هؤلاء غلو، وأما المرجئة ففرطوا، وقالوا: لا تضر المعاصي مع الإيمان، يعني: المعاصي لا تحدث النقص في الإيمان ولا تنافيه؛ لأن الإيمان عندهم هو مجرد القول فقط أو المعرفة، وقالوا: ولا يدخل النار أحد بذنب دون الكفر بالكلية، ولا تفاضل عندهم بين إيمان الفاسق الموحد، وبين إيمان أبي بكر وعمر، فالفاسق الذي وحد الله عز وجل وأتى بالمعرفة والقول فقط إيمانه تماماً مثل إيمان أبي بكر ومثل إيمان عمر، بل إيمانه مثل إيمان جبريل، بل إيمانه مثل إيمان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
بل لا تفاضل بينهم وبين الملائكة، ولا فرق عندهم بين المؤمنين والمنافقين، يلزم من هذا على قول المرجئة: أنه لا يوجد شيء اسمه نفاق؛ لأن المؤمن والمنافق أتوا بنفس القول؛ والكل مستوف النطق بالشهادتين كما قدمنا اعتقادهم في بحث الإيمان، نسأل الله تعالى العافية.