للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عوام المنتسبين لأهل البدع المكفرة]

ومن أمثلة هؤلاء عوام المنتسبين إلى بعض الفرق الغالية -كالجهمية الاتحادية ونحوها- ممن لا يعرفون أسرارهم وحقائقهم.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما المنتسبون إلى الشيخ يونس فكثير منهم كافر بالله ورسوله، لا يقرون بوجوب الصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله بل لهم من الكلام في سب الله ورسوله والقرآن والإسلام ما يعرفه من عرفهم، وأما من كان فيهم من عامتهم لا يعرف أسرارهم وحقائقهم، فهذا يكون معه إسلام عامة المسلمين الذي استفاده من سائر المسلمين لا منهم -أي: أخذ الإسلام العام من إخوانه المسلمين لا من هؤلاء الضالين-، فإن خواصهم مثل الشيخ سلول وجهلان والصهباني وغيرهم فهؤلاء لم يكونوا يوجبون الصلاة، ولا يشهدون للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة.

فهذا بالنسبة لخواص الملاحدة والزنادقة.

أما العامي فقد يتابعهم ويقلدهم وهو لا يعي حقيقة أقوالهم وما يقصدون إليه، وإن كان معه أصل الإسلام الذي عليه عموم الناس وعموم المسلمين.

كذلك جهل عوام القبوريين في بعض ما يتلبسون به من عبادة غير الله عز وجل حتى تقوم عليهم الحجة التي يكفر من يعاندها.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فكل عبادة غير معمول بها فلابد أن ينهى عنها، ثم إن علم أنها منهي عنها وفعلها استحق العقاب، فإن لم يعلم لم يستحق العقاب، وإن اعتقد أنه مأمور بها وكانت من جنس المشروع فإنه يثاب عليها، وإن كانت من جنس الشرك فهذا الجنس ليس فيه شيء مأمور به.

يعني: أن أفعال الإنسان هي إما شيء منهي عنه، فإن كان منهياً عنه استحق العقاب، وإن لم يعلم أنه منهي عنه وفعله لم يستحق العقاب؛ لأنه لا يعلم، وإن اعتقد أن هذا الشيء مأمور به وداخل في جنس الشيء المأمور به المشروع فهو يثاب عليه.

لكن قد يعتقد شيئاً غير مأمور به، بل هذا الشيء ليس من جنس المشروع، بل هو من جنس المنهي عنه، مثل الشرك، فالشرك ليس فيه شيء يمكن أن يكون مأموراً به، لكن قد يحسب بعض الناس أن بعض أنواعه مأمور به، فهو في هذه الحالة يقلد غيره من الشيوخ الذين يفعلون ذلك، فإما فعلوه لأنهم جربوه فوجوده ينفع في زعمهم، أو اعتمدوا على حديث كذب أو باطل، فهؤلاء إذا لم تقم عليهم الحجة بالنهي عن هذه الأشياء لا يعذبون، وأما الثواب فإنهم قد يثابون.

ويقول أيضاً شيخ الإسلام: ونحن نعلم بالضرورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا أحداً من الأموات، لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود للميت ولا إلى ميت ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور، وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ تعليقاً على هذه المقولة: ومراد شيخ الإسلام ابن تيمية بهذا الاستدراك أن الحجة إنما تقوم على المكلفين، ويترتب حكمها بعد بلوغ ما جاءت به الرسل من الهدى ودين الحق وحجة الرسالة ومقصودها الذي هو توحيد الله، وإسلام الوجوه له، وإنابة القلوب إليه، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:١٥]، وقد مثل العلماء هذا الصنف بمن نشأ ببادية، أو ولد في بلاد الكفار ولم تبلغه الحجة الرسالية، ولهذا قال الشيخ: لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين.

وقد صنف رسالة مستقلة في أن الشرائع لا تلزم قبل بلوغها، وأكثر العلماء يسلمون بهذا في الجملة، ويرتبون عليه أحكاماً كثيرة في العبادات والمعاملات.

يقول: فمن بلغته دعوة الرسل إلى توحيد الله ووجوب الإسلام له والجزم أن الرسل جاءت بهذا لم يكن له إذاً إذنٌ في مخالفتهم وترك عبادة الله، وهذا هو الذي يجزم بتكفيره إذا عبد غير الله وجعل معه الأنداد والآلهة؛ لأن هذا بلغته الحجة الرسالية وقامت عليه، والشيخ وغيره من المسلمين لا يتوقفون في هذا -يعني: لا يترددون في هذا الكلام-، وشيخنا رحمه الله قد قرر هذا -يعني الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله- وبينه وفاقاً لعلماء الأمة واقتداءً بهم، ولم يُكَفِّر إلا بعد قيام الحجة وظهور الدليل، حتى إنه -رحمه الله- توقف في تكفير الجاهل من عباد القبور إذا لم يتيسر له من يفهمه.

ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى نفسه: إذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبة عبد القادر، والصنم الذي على قبة أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من يفهمهم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا، ولم يكفر، ولم يقاتل؟ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:١٦]! فهذه العبارة صريحة وهي قذى في أعين هؤلاء المبتدعين، قذى في أعينهم إذا سمعوا هذه العبارة، بل وصل الأمر ببعضهم في يوم من الأيام حينما تلوت عليه هذه العبارة أن قال: إذا قال محمد بن عبد الوهاب هذا الكلام فهو -أيضاً- كافر.

<<  <  ج: ص:  >  >>