صاحب كتاب:(حد الإسلام) درج في كتابه على عكس هذا المنهج الذي ذكرناه، فقضى: بأن الإخلال بقضية من قضايا أصل الدين موجب لتخلف حد الإسلام، وانعدام صفته مهما حام حول الإسلام بها من شبهة الإكراه أو غيره حتى يثبت وجود الإكراه بيقين، فإذا تيقنا وجود الإكراه فإنه يعذر؛ لكن الإخلال بقضية من قضايا أصل الدين سواء في النسك أو الحكم أو الولاية، فهذا يوجب تخلف حد الإسلام، وتنعدم منه صفة الإسلام مهما حام حولها من شبهة الإكراه حتى يثبت الإكراه بيقين لا بشبهة، فهذا هو الفرق بين المنهجين.
يقول صاحب حد الإسلام صفحة (٣٨٣): وقبول شرع الله يتحقق بعدم الرد -يعني: بعدم رد أمر الله- وهو الإباء والرفض والامتناع من قبول الفرائض والأحكام، وكذلك قبول شرع غيره يعرف بعدم الرد، فإن منع من الرد مانع الإكراه وجد كره القلب، ودلالته الاعتزال، وعدم المشايعة بالعمل عليه، أي: عدم مظاهرة من يقومون على هذا الباطل وعدم الترويج لباطلهم، فهنا تراه جعل عدم الرد دليلاً على الكفر حتى يثبت الإكراه، ويثبت الإكراه بدلائله من الاعتزال وعدم المشايعة بالعمل، ففي ذلك إهدار للدلالة التي أخذناها من التزام هذا الرجل المجمل في الإسلام، فهذا فيه إهدار تماماً لهذه الدلالة، وهي دلالة الالتزام المجمل للإسلام، مع أن هذه الدلالة يجب أن تكون هي الأصل الذي نستصحبه.
إذاً الأصل: أن هذا الإنسان المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وليس العكس، فيجب أن يستصحب الأصل الذي هو الالتزام المجمل بالإسلام بناءً على هذا الأصل والحكم عليه بالإسلام، ولا يتحول ولا يتزحزح هذا الأصل حتى يثبت الناقض بيقين، وهو وجود الرد وانتفاء عوارض الأهلية وليس العكس، ففي الحقيقة أن الكاتب -ككثير من الباحثين في هذه المسألة- منطقي مع فكرته نفسها؛ لكن مع أصول أهل السنة والجماعة ليس منطقياً ولا موافقاً؛ لأن منطق الفكرة التي وضعها تقرر أن عقد الإسلام عنده لا يثبت حتى تستوفي جميع أركان حده على التفصيل، وبعد تبينها واستيفائها يحكم له بالإسلام، فالأصل الذي بنى عليه منهجه أن عقد الإسلام لا يثبت لمن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، بل لا بد أولاً: أن نتحرى ونستوفي ونتحقق هذه الأركان الثلاثة فيما يتعلق بالنسك، والولاية، والحكم! يعني: هو يرى أن عقد الإسلام لا يثبت حتى تستوفي جميع أركان حده على التفصيل، فإذا لم تستوف هذه الأركان فليس هناك أصل يستصحب بالإسلام؛ لأن الإسلام لم يوجد بعد حتى يقال: لا يجوز أن يحكم بزوال الإسلام بمجرد الشبهة العارضة، فهو يقول: أصلاً هو لم يثبت التزامه بالإسلام، فهو منطقي هنا بهذا التقرير مع منطقه ومع فطرته؛ لكن ليس منطقياً مع عقيدة أهل السنة التي تثبت عقد الإسلام بمجرد الالتزام به جملة، ويصبح ثبوت حكم الإسلام في هذه الحالة يقيناً لا يزول بالشبهة العارضة، ولا يبطله إلا يقين مضاد، فالخلاف مع صاحب البحث في هذه القضية ينبثق أساساً من الخلاف حول تحديد ماهية أصل الدين، أو بتعبير الكاتب: حد الإسلام على النحو الذي سبق بيانه، فهذا في الحقيقة خلاف تابع وليس خلافاً أصلياً.