[عقيدة أهل السنة إذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق]
هذا هو موضع المعركة بين أهل السنة والمرجئة، حيث إن أهل السنة مجمعون على زوال الإيمان إذا انتفى عمل القلب مع وجود التصديق، وذكرنا أمثلة إبليس وفرعون واليهود والمشركين، هؤلاء جميعاً كانوا يعتقدون صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينفون عنه الكذب، لكن قالوا: لا نتبعه ولا نؤمن به، وما كانوا بذلك مؤمنين.
الخلاصة: ليس الإيمان مجرد معرفة الحق وتبينه، بل هو معرفته المستلزمة لاتباعه والعمل بموجبه، كما أن اعتقاد التصديق -وإن سمي تصديقاً- ليس هو التصديق المستلزم للإيمان، والدليل قوله عز وجل:{يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}[الصافات:١٠٤ - ١٠٥].
إذاً: معرفة الحق وتبينه هذا نوع من الهدى، فمن رأى الحق حقاً لكن لم يرزقه الله اتباعه، فهذا في المرتبة الثانية من الهداية، لكن هل هذه المرتبة تستلزم الاهتداء؟ كلا، أما الهدى الذي يترتب عليه الانقياد والعمل والامتثال فهذه هي المرتبة الثالثة التي تستلزم الاهتداء، فهؤلاء الذين ذكرنا أمثلتهم من المشركين أو فرعون أو إبليس أو غير ذلك من اليهود أو النصارى؛ عرفوا الحق ولكنهم لم ينقادوا له، فبذلك لم يصيروا مؤمنين.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تبارك وتعالى: وها هنا أصل آخر، وهو: أن حقيقة الإيمان مؤكدة بالقول والعمل، والقول قسمان: قول القلب: وهو الاعتقاد، وقول اللسان: وهو التكلم بكلمة الإسلام.
والعمل قسمان: عمل القلب: وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح، فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة، وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته وانقياده كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، بل ويقرون به سراً وجهراً ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به، مثل أبي طالب لما قال: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا فـ أبو طالب كان يعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام رسول من عند ربه، لكنه لم ينقد بقلبه لشرائعه؛ فلم ينفعه ذلك.