[نقض تفسير عبادة الأحبار والرهبان بالطاعة في الاعتقاد]
أولاً: بالنسبة لتفسيره للربوبية التي وقع فيها بنوا إسرائيل، وذهابه إلى أن هذه الربوبية لم يكن مردها إلى الطاعة في الاعتقاد بمجرد أنهم قبلوا الأحكام بذلك حتى لو اعتقدوا حكم الله كما أنزله الله، واعتقدوا فيه عقيدة قلبية صحيحة، لكن أطاعوا الأحبار والرهبان فيما أحلوه وحرموه مخالفاً لشريعة الله، فمجرد قبول الأحكام كفر أكبر بغض النظر عن اعتقادهم في ذلك.
فالمناط المذكور في الآية هنا هو الطاعة في التشريع وليس الطاعة في الاعتقاد أو المعصية.
وتوضيحاً لهذا الكلام: فهذه الآية في سورة التوبة تتحدث عن حالة من حالات الانحراف التي جمح فيها أصحابها بين فساد الاعتقاد وفساد العمل: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[التوبة:٣١].
أيضاً هؤلاء القوم الذين أطاعوا الأحبار والرهبان في هذه الأشياء فسدت عقيدتهم؛ لأنهم أقروا لأحبارهم ورهبانهم حق النسخ والتبديل في أحكام الله عز وجل، فاعتقدوا أنما يربطه الأحبار والرهبان في الأرض يكون مربوطاً في السماء، وما أحلوه في الأرض يكون محلولاً في السماء، فالحلال عندهم ليس حلال الله، والحرام ليس حرام الله، وإنما الحلال عندهم ما أحله الأحبار والرهبان وإن كان خلافاً لما يعرفونه هم من حكم التوراة التي أنزلها الله عز وجل عليه، والحرام عندهم أيضاً ما حرمه الأحبار والرهبان وإن كان ذلك خلافاً لما يعرفونه من إباحته في التوراة.
فهذه الطاعة كانت طاعة لها علاقة بالاعتقاد لا بمجرد قبول الحكم، فهم أعطوا حق نسخ شريعة الله وتحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله للرهبان والأحبار، فبذلك صدق عليهم وصفهم بأنهم اتخذوهم أرباباً من دون الله عز وجل.
فهذه طاعة في الاعتقاد قبل أن نقول: إنها طاعة في قبول الأحكام من الأحبار والرهبان، فهم تركوا تحريم التوراة وتحليلها إلى تحريم الأحبار والرهبان وتحليلهم تأسيساً لهم على الإقرار لهم في الحق بذلك.