للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وجوب الكفر بالطاغوت]

إن رأس الطاغوت هو الشيطان؛ لأن كل معصية تقع في الوجود إنما تكون بتحريض هذا الشيطان وباتباع أوامره وأوليائه، فالكفر بالطاغوت شرط في صحة الإيمان، كما يقول عز وجل: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٥٦]، العروة الوثقى هي لا إله إلا الله، وكلمة (الطاغوت) مشتقة من مادة طغى، أي: من الطغيان، وهو مجاوزة الحد {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة:١١]، فالطغيان فيه مجاوزة الحد؛ لأن من أطاعه في هذا الشرك وهذا الكفر قد طغى، وجاوز به حده بصفته مخلوقاً مربوباً لله إلى أن اتخذه إلهاً من دون الله، فهذا هو معنى الطاغوت.

فيفهم من هذه الآية كفر من لم يكفر بالطاغوت، فينبغي أن يعتقد كل مسلم بقلبه بطلان هذه القوانين، وفي أن هذا كفر ومعاندة ومضادة لتشريع الله تبارك وتعالى.

ويقول عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء:٦٠]، ويقول عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥].

أيضاً أوضح الله تبارك وتعالى في آيات كثيرة حال الذين يكرهون ما أنزل الله عز وجل، فقال تبارك وتعالى: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى:١٣]، وهذا واضح من حال العلمانيين أعداء الشريعة في كل بلاد الدنيا، فهم يكبر عليهم ويشق عليهم ما تدعوهم إليه من تحكيم شريعة الله عز وجل.

ويقول تبارك وتعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ} [يونس:٧١]، وقال أيضاً: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح:٧]، فانظر إلى شدة بغض الكفار لما كان يدعوهم إليه نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ((وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ){وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ} [يونس:٢٥]، {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٢١]، {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:٢٧].

ويقول تبارك وتعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} [الحج:٧٢]، وقال عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:٢٦] أي: شوشوا عليه والغوا فيه، {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف:٧٨]، وقال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:٩]، وقال تبارك وتعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ * وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الجاثية:٦ - ٨]، وقال تبارك وتعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} [فصلت:٥]، وقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} [محمد:٢٥ - ٢٦] فعلى كل مسلم أن يتدبر هذه الآيات، وأن يحذر حذراً كاملاً مما تضمنته من الوعيد الشديد؛ لأن كثيراً من الناس في هذا الزمان بلا شك وأولهم العلمانيون أعداء دين الله وأعداء رسل الله وأعداء شريعة الله في كل البلاد داخلون في هذا الوعيد؛ لأنهم يكرهون ما أنزل الله، وهذا حالهم مع شريعة الله تبارك وتعالى، فكل من قال لمن يشرعون تشريعاً مخالفاً لدين الله: سنطيعكم في بعض الأمر، فهو داخل في هذه الآيات، فالذين يتعبون القوانين الوضعية يبشرون والعياذ بالله بسوء الخاتمة، وأنهم إذا أتتهم الملائكة عند خروج أرواحهم يضربون، {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [محمد:٢٧]؛ وذلك لأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه، فأحبط الله تبارك وتعالى أعمالهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>