يقول: إن حد الإسلام لا يحصل فيه تبعيض ولا يزيد ولا ينقص، وذكر أن هذا الحد هو التصديق والانقياد والالتزام، فهل التصديق لا يزيد ولا ينقص؟
الجواب
لا؛ فدرجات التصديق تختلف قوة وضعفاً، فما من شك أن الأنبياء أكمل الناس تصديقاً، يليهم بعد ذلك الحواريون أصحابهم الذين تلقوا الهدى على أيدهم، ورأوا من المعجزات ما لا يبقى معه شك ولا شبهة، ثم يليهم بعد ذلك سائر المؤمنين الأمثل فالأمثل، فمن المكابرة أن تقول: إن تصديق الأنبياء هو نفس تصديق واحد من عموم المؤمنين، بل الإنسان نفسه قد تختلف درجات التصديق عنده من حالة إلى أخرى.
مثال ذلك: موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حينما أخبره ربه تبارك وتعالى أن قومه عبدوا العجل من بعده غضب، كما قال عز وجل:{فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا}[طه:٨٦]، غضب موسى عليه السلام، وكانت معه الألواح التي كتبها الله سبحانه وتعالى له بيده، لكن لما رأى بعيني رأسه قومه وهم يعبدون العجل اشتد غضبه كثيراً، وظهر ذلك في أنه ألقى الألواح غضباً وحمية لله عز وجل لا امتهاناً ولا استخفافاً بها.
معاذ الله! إنما أخذته الحمية والغيرة على دين الله عز وجل وعلى التوحيد، قال عز وجل:{وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}[الأعراف:١٥٠]، فهل شك موسى في خبر الله عز وجل؟ الجواب: لا.
لكنه تفاوتت درجات التصديق عنده؛ إذ ليس الخبر كالمعاينة.
أيضاً: رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي عرج به إلى السماوات العلى، ورأى من آيات ربه الكبرى، كيف يقال: إن تصديقه عليه الصلاة والسلام الذي عرج به ورأى من آيات الله عز وجل في الملأ الأعلى يكون كتصديق رجل من عوام المسلمين؟ باعتبار أن هذا هو الحد الأدنى للإسلام، وأن التصديق لا يتبعض ولا يزيد ولا ينقص.
أيضاً: درجات التصديق تتفاوت قلة وكثرة وقوة وضعفاً بحسب زيادة العلم أو نقصانه فكلما كان الإنسان أكثر علماً كلما كان أكثر تصديقاً، وما من شك أن من يتعلم حدود الله أكثر أنه يزداد الإيمان عنده ويقوى بها إيمانه، ويزيد بها تصديقه، وكلما قل علمه قل تصديقه.
فمن أحاط علماً بعشرات بل مئات الفرائض لابد أن يكون أكثر تصديقاً ممن كان دونه في ذلك، والزيادة هنا من حيث الكم، إذ الزيادة في التصديق تتفاوت من حيث الكم ومن حيث الكيف، أما الكيف فقد ضربنا له مثلاً بموسى عليه الصلاة والسلام، أما الكم فهو من حيث العلم، فكلما زاد الإنسان علماً بالشرائع وبحدود الله كلما زادت كمية التصديق في قلبه، والعكس صحيح.
هذا من حيث التصديق، أما من حيث الالتزام فإن التزام أعمال القلوب من المحبة والخشية والرجاء وغير ذلك يتفاوت من شخص إلى آخر تفاوتاً عظيماً، وهذا معلوم بالحس والمشاهدة، ولا ينكره إلا جاهل أو معاند.