وهذا تعليق علم من أعلام الإخوان المسلمين وهو الدكتور يوسف الطبلاوي حفظه الله، يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فحديثي هو تعليق على بحث الأخ الجليل الدكتور جعفر شيخ إدريس، ومناقشة بعض الحاضرين في الندوة له، وذلك حول ما يتعلق بالشهيد العظيم سيد قطب، وأفكاره وقضية المنهج عنده، خاصة في كتاب المعالم، والحقيقة أن الأمر ليس أمر كتاب المعالم، فما المعالم إلا قبسات من الظلال، فالأصل هو الظلال وليس المعالم، وبعض الناس يقولون: إن الأمر مجرد هامش على كتاب المعالم، ويذكرونه في الحواشي، والأمر ليس تحشية في موضع أو موضعين أو عشرة أو عشرين، أو مئات المواضع؛ هذا فكر يسري في الكتب مسرى العصارة في الأوصال، ومسرى الدم في الجسم، والمسألة ليست كما يقول أخي الأستاذ يوسف العظم: إنها تعليق على بعض الأخطاء، فهذه تقال إذا كان الحديث عن أخطاء جزئية، ولكن المسألة هنا تتعلق باتجاهات، وهذا اتجاه، والرجل صاحب اتجاه وصاحب مدرسة، وهذا الاتجاه يجب أن يقوم، ولا تستطيع أن تهمشه إلا إذا كانت المسألة جزئية، وإنما هو صاحب أفكار متسلسلة مرتبط بعضها ببعض.
الأمة الإسلامية انقطعت من الوجود، وهو له رأيه المتطرف في مسألة بني أمية وعثمان وغيره، ورد عليه الأستاذ محمود شاكر من قديم في مسألة الصحابة (ولا تسبوا أصحابي)، ورأيه في المجتمع الإسلامي على طوال التاريخ، ورأيه في المجتمع الحالي، وأنه لا يوجد على وجه الأرض مجتمع مسلم قط في أي بلد من البلاد، حتى المجتمع الذي يعلن ارتباطه بالإسلام، ويقول: إن المجتمع جاهلي، كنت أظن أن كلمة:(مجتمع جاهلي) تعني -مثلاً- جاهلية التبرج أو تبرج الجاهلية، أو جاهلية الحمية، لا كما يقول الشرك والكفر، وهذا في الظلال في عشرات المواضع، ودعونا نتكلم بصراحة: إن من حق الأجيال المسلمة أن تعرف هذا الأمر على حقيقته، ولقد كنت لا أعرف هذا، كنت قد قرأت سيد قطب القديم، وسيد قطب مراحل: هناك سيد قطب في المرحلة الأولى، وهي مرحلة الأديب الناقد الذي كان ينتمي إلى مدرسة العقاد، وكان مبهوراً ببلاغة القرآن، وظهر هذا في كتب التصوير الفني ومشاهد القيامة في القرآن، ومرحلة سيد قطب المعجب بنظام الإسلام، والداعي إلى عدالته ونظامه، وخير ما يصور هذه (العدالة الاجتماعية)، ومرحلة (السلام العالمي والإسلام)، ومرحلة (معركة الإسلام والرأسمالية)، وفيها كتب عن التاريخ ومنهاج ودراسات إسلامية ومقالات مختلفة، ثم المرحلة الثالثة وهي: المرحلة التي بدأت في السجن، ونقول الآن: إنها كانت لظروف نفسية معينة يعيشها هو ويعيشها المجتمع الإسلامي كله نتيجة لتسلط الطواغيت، وظهور الكفر ووثبة الشيوعيين على أجهزة الإعلام وغير ذلك، في هذا الوقت الذي كان يعذب فيه كل من يدعو إلى الله ويدعو إلى الإسلام، في حين تفتح المجالات للآخرين الذين ينكرون الإسلام جهرة وعلانية، في هذا الوقت كتب سيد قطب كتاباته وهي في الظلال أساساً، فاستخرج منها المعالم، وسيد قطب في هذه الكتب له مرحلة أخرى، ولذلك حكى بعض الناس أنه لو استقبل من أمره ما استدبر ما كتب كتبه القديمة، ولما قال له أحدهم: إذاً: فأنت كـ الشافعي لك مذهبان: جديد وقديم؟ قال: نعم، ولكن الشافعي غير في الفروع وأنا غيرت في الأصول، يعني: أصول التفكير؛ لأنه بدأ يفكر في أن المجتمع غير مسلم، مجتمع جاهلي، والناس غير مسلمين، ولذلك يقول: وإن كان يدَّعون أنفسهم مسلمين، أو يسمون أنفسهم مسلمين، أو ما يسمونه العالم الإسلامي، فمثل هذه التعبيرات موجودة منتشرة في كتبه التي كتبت في تلك المرحلة، وراح الذين تتلمذوا عليه يرددون التعبيرات نفسها.
وإني ما كنت أعرف هذا حتى جاءتني رسائل تتكلم عن الموضوع الذي أشار إليه الأخ الأستاذ يوسف العظم، أعني مسألة: معابد الجاهلية، لقد أرسل إلي طلاب يدرسون في القاهرة من اليمن وغيرها عما جاء في الظلال في سورة يونس:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً}[يونس:٨٧]، والتي انطلق منها الشهيد قائلاً: اعتزلوا معابد الجاهلية، واعكفوا على أنفسكم، وأخذ منها هؤلاء: أن المساجد التي تتبع السلطات الجاهلية، ويشرف عليها موظفون؛ إنما هي بيوت للشرك، ولقد اضطررت أن أرد على هذا الكلام، وذلك من سنين طويلة، ولكن القضية كلها تتفرع من قضية: هل الناس الذين من حولنا مسلمون أم لا؟ هذه هي القضية الأساسية التي ينبغي الوقوف عندها، إن الأخ الدكتور جعفر وقف في مسائل يمكن أن تؤول، مثل: مسألة جيل الصحابة، يعني: هل ممكن أن جيل الصحابة يتكرر أم لا؟ فهذا أمر يمكن أن نقول فيه: إنه يمكن أن يوجد مثل جيل الصحابة أو قريب منه، وفي هذه القضية حكي الخلاف فيها بين ابن عبد البر والجمهور في: هل يمكن أن يكون بعض الناس في عصرنا هذا أو ما بعد عصرنا مثل الصحابة أو لا؟ وهل تفضيل قرن الصحابة تفضيل للمجموع أو تفضيل للجميع؟ فـ ابن عبد البر يقول: يمكن أن يأتي بعض الناس في عصر متأخر مثل الصحابة أو مثل بعض الصحابة، واستثنى المبشرين بالجنة والسابقين الأولين وأهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان، وقال: يمكن بعد ذلك أن يأتي ناس أفضل من بعض الصحابة، فهذه قضية معروفة من القديم، والمشكلة هي: أن قضية المجتمع الجاهلي وما يترتب عليها إنما يجب أن نعرض على الناس العقيدة، ولا نعرض أسس النظام الإسلامي، فهم لم يسلموا، فكيف تعرض عليهم أسس النظام وتفصيلاته؟ فالعقيدة أولاً: يجب أن يفهموا لا إله إلا الله بمعنى الحاكمية.
هذا ما يدعو إليه، ولذلك كما قال أخونا الدكتور وهبة الزحيلي: كيف يمكن فعلاً الاجتهاد لوضع حلول لمشكلات عصرية للاقتصاد الإسلامي مثل التأمين والبنوك وغير ذلك؟ المقصود: أن الأستاذ سيد قطب رحمه الله كان له موقف معين من الاشتغال بالفقه أو بأمور العصر غير مفهوم الحاكمية، وتقديم العقيدة من جديد للناس، هو كان يرى أن من خاطب الناس بالحجاب بالحلال والحرام بهذه القضايا الفقهية كان يرى أن هذا مثل من يستنبت البذور في الهواء، كيف تخاطب مجتمعاً أصلاً ليس هو في حالة تحاكم إلى الإسلام أو لـ (لا إله إلا الله).
وتقول لهم: حجبوا النساء، أقيموا حدود الله في كذا أو في كذا، وهو أصلاً لم يمتثل هذه العقيدة أو لم يفهمها؟ فهذه نقطة من النقاط الخطيرة جداً في فكره، وسوف يأتي كلام فيها بالتفصيل، وسيأتي نقاش العلماء لهذه النقطة أيضاً.
أيضاً: الحديث عن الفقهاء واستنبات البذور في الهواء، فقد كان ينكر على الفقهاء الذين يتكلمون في قضايا الفروع العملية، ويصف أن هذا استنبات للبذور في الهواء، فيقول: ينبغي للزهور أن توضع في التربة، والتربة لابد أن تكون هي الأصل.
يشير بذلك إلى المجتمع الذي تشرب بالعقيدة وقبلها، وذكر هذا بتطويل أكثر في حوالي عشرين صفحة في الظلال، وفي كتاب: الإسلام ومشكلات الحضارة، وأعلن أن الذين ينادون بتجديد الفقه الإسلامي، وتطوير الفقه الإسلامي هؤلاء الناس الطيبون السذج، الذين يريدون أن يجتهدوا لمجتمع لم يوجد بعد، وحينما يولد المجتمع الإسلامي يمكن أن نجتهد له، وقيل: إن الذين يستفتون في أمور الإسلام كلهم هازلون، والذين يجيبونهم هازلون، وليس من الواقعي وليس من الإيجابية في شيء أن نستفتي الإسلام ونحن نخرج لساننا له.