[قضية العذر بالجهل من القضايا العملية وليست من قضايا العقيدة]
من الأمور المهمة والتنبيهات أن قضية العذر بالجهل هي من القضايا الفقهية العملية، وليست من مسائل العقيدة.
وفي ضوء الكلام الذي أسلفناه آنفاً يتبين أن هذه قضية إجراءات تتم في الدولة المسلمة من قبل القضاء الشرعي، حيث يستوفي القاضي القضية مع الشخص، وإن كان عنده شبهة يزيلها ويقيم عليه الحجة، ومثله العالم أو الحاكم أو من بيده هذه السلطة، ثم يترتب على ذلك فعل عملي.
فالقضية تتعلق أكثر ما تتعلق بالقضاة لا بالدعاة، أما في الأوضاع التي نحن فيها الآن فينبغي استفراغ الوقت في إزالة عارض الجهل عن الناس، وهذا هو الذي لا نشك فيه، وهو أننا مطالبون بمحاربة الجهل، وأما مقاضاة الناس بهذه الصورة التي تحصل من كثير من الإخوة فهذا مما فيه نظر كثير.
ومما يؤسف له أنني اطلعت على كتاب لبعض الإخوة أسماه (العذر بالجهل عقيدة السلف)، فلماذا ينسب القضية إلى السلف؟! فهذه القضية ليس لها علاقة بالعقيدة، وإنما هي قضية من القضايا العملية الفرعية، وليست من القضايا الأصولية، وليست من مسائل العقيدة.
فالشخص في قضية العذر بالجهل يسلك مسلك من قال بتكفير تارك الصلاة، فهو قول من قولين قال به بعض الفقهاء، لكن لم يصل الأمر إلى درجة أن الفقيه الذي يكفر تارك الصلاة يكفر الفقيه الآخر الذي لم يقل بهذه المسألة، لكن لأن الذي شاع بيننا وفي واقعنا أن عدم العذر بالجهل في الغالب يقترن بغلو في بدعة التكفير انقدح في أذهاننا أنه لا يترك العذر بالجهل إلا هؤلاء الغلاة، فمن أجل ذلك أخذت هذا الحجم الكبير؛ لأن الواقع هو أنه انقدح في الذهن أن من لم يعذر بالجهل يتجاسر ويتهور في موضوع التفكير.
وقد لمسنا أن عرض عدم العذر بالجهل يكون في الغالب مقدمة لكثير من المضاعفات، كالتكفير بالعموم والتوقف والتبين، إلى غير ذلك من المبالغات.
ولهذا يجب التحذير من هذه الضلالات؛ لأنها ارتبطت في واقعنا بعدم العذر بالجهل.
ثم إن تبيين الكفر وأنواعه والأشياء التي تخرج الإنسان من الملة، وتبيين وعيد فاعل ذلك من واجبات الشرع وأسس الدعوة، وشتان بين ذلك وبين الاجتراء على حرمة المسلمين ووصفهم بالكفر.