أول هذه الشروط: العلم: المراد بالعلم بمعنى لا إله إلا الله نفياً وإثباتاً، وهذا العلم ينافي الجهل، فلابد للإنسان أن يعلم معنى لا إله إلا الله، فإن الله عز وجل قد أمر نبيه وهو خير من قال: لا إله إلا الله، وخير من أدى شروطها، ومع ذلك قال له تبارك وتعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[محمد:١٩]، وقال تعالى:{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[الزخرف:٨٦] يعني: شهد بلسانه بلا إله إلا الله، وهو يعلم بقلبه ما نطق به لسانه، وهذا أيضاً دليل على اشتراط العلم، فهم: شهدوا بلا إله إلا الله، وهم يعلمون معنى ما نطقت به ألسنتهم من أن لا إله إلا الله.
فلا يكون الإنسان مثل جهاز التسجيل الذي يتكلم وينطق، من الممكن أن تسجل عليه لا إله إلا الله، لكن هذا جهاز جامد لا يفقه ما يقول، كذلك الشخص الذي يرددها دون أن يعيها فما من شك أن ذلك لا ينفعه، وقال تعالى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران:١٨]، يعني: وشهد أولوا العلم أيضاً بهذه الشهادة العظيمة بأن لا إله إلا الله، وقال تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[الزمر:٩]، وقال عز وجل:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨]، وقال:{وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}[العنكبوت:٤٣]، لكن أوضح دليل على اشتراط العلم، هو قوله تعالى هنا:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[محمد:١٩].
وفي الصحيح من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة)، هذا الحديث وأمثاله مما يأتي فيه ذكر هذه الشروط، وهو مقيد لمطلق الأحاديث التي فيها مثلاً:(من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)، هذا لا نفهمه وحده، لكن نفهمه بضمه إلى هذه الأحاديث التي قيدت لا إله إلا الله بقيود معينة منها: العلم، وسائر الشروط المذكورة، فدليل العلم، ودليل تقييدها بالعلم: قوله عليه الصلاة والسلام هنا: (من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله) يعني: يقول: لا إله إلا الله، ويكون عالماً بمعناها:(من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة).