مما ينبغي التنبه إليه: أن الحكم بالكفر على إنسان ليس مجرد كلمة تقال، لكنها كلمة وراءها أحكام شرعية تترتب على ذلك، ومن أجل هذا فلا يجوز أبداً الاندفاع والتهور في الحكم على إنسان ما بالكفر، بل ينبغي التحرز من ذلك إذا بدرت أي شبهة في هذا الأمر، كما قال بعض السلف: إذا أتى الإنسان بفعل احتمل الكفر من تسعة وتسعين وجهاً، واحتمل الإيمان من وجه واحد فاحمل أمره على الإيمان، وذلك لأنه إذا كانت الحدود تدرأ بالشبهات فأولى ثم أولى أن يدرأ الحكم بالكفر بالشبهات.
فمتى ما وقع للحاكم أو القاضي أي اشتباه في جريمة الشخص الذي سيقام عليه الحد، فينبغي عند وجود أدنى شبهة أن يدرأ الحكم، لماذا؟ لأنه لأَن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في القصاص، مثلاً: إذا استحق القتل فيتركه خير من أن يخطئ في قتله، ثم يتضح بعد أن يقتل أنه كان معذوراً أو أنه كان بريئاً، فلذلك ينبغي التحرز من إطلاق الكفر على الناس، أو الجرأة في ذلك؛ خلافاً لما يرسخ في قلوب كثير من الشباب في هذا الزمان نتيجة الضغط والإرهاب الفكري من بعض المبتدعة، حيث يصورون أن الحكم بالكفر على الناس نوع من البطولة، ونوع من إظهار الولاء والبرء والشجاعة، أو أن هذا دليل على قوة التمسك بالدين والالتزام به، بل الصحيح خلاف ذلك، وهو أن يتورع الإنسان في هذا الأمر، وإن كان حظه من العلم قليلاً فينبغي أن يحتاط، خاصة إذا علم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(من قال لأخيه يا كافر! فقد باء بها أحدهما).
وأحياناً يتحرز بعض الناس من الحكم بالكفر على أناس قد يكونون في مظهر الآخرين من كفار أو مشركين، ويكون الدافع إلى ذلك هو أن يخاف الإنسان على نفسه أن يخطئ في ذلك فيؤاخذه الله تبارك وتعالى به.
كلمة الكفر ليست كلمة تقال، بل هي كلمة وراءها ما وراءها، فإذا حكم على إنسان بالكفر فمما يترتب على هذا من الآثار: أنه لا يحل لزوجته البقاء معه، إذ بمجرد كفره وردته عن الإسلام ينفسخ عقد نكاحه، ويجب أن يفرق بينه وبينها؛ لأن المسلمة لا يجوز أبداً أن تكون زوجة لكافر بإجماع المسلمين.
أيضاً أولاده لا يبقون تحت سلطانه، بل لا يؤتمن عليهم، وربما أثر عليهم بكفره، وهم أمانة في عنق المجتمع الإسلامي، فلذلك يفقد ولايته على أبنائه وبناته، ولا يصلح أن يزوج بناته أو أن يلي أمرهن.
أيضاً هو يفقد حق الولاية والنصرة على سائر المسلمين، بعد أن خرج عن الإسلام ومرق عنه بالكفر الصريح، ولهذا يقاطع ويفرض عليه حصار أدبي من المجتمع حتى يثوب إلى رشده، كما أنه يجب أن يحاكم أمام القضاء الإسلامي لينفذ فيه حكم المرتد بعد أن يستتاب، وتزال من ذهنه الشبهات، وتقام عليه الحجة ممن يملكون إقامتها ويتقنون ذلك من أئمة العلم وذوي السلطان، يقول عليه الصلاة والسلام:(من بدل دينه فاقتلوه).
ثم إذا مات لا تجري عليه أحكام المسلمين، فلا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، بل يدفن مع إخوانه من المشركين أو اليهود أو النصارى، كما أنه أيضاً لا يرث أقرباءه المسلمين إذا ماتوا، وإذا مات على حاله من الكفر فإنه يستحق لعنة الله عز وجل، وطرده من رحمته، والخلود الأبدي في دار جهنم.
هذه الأحكام -وغيرها كثير- تستوجب التثبت والاحتياط، والإنسان متى اشتبه عليه الأمر فليعتذر بقلة علمه إن كان غير عالم، أو إن كان عنده شبهة في الأمر فعليه أن يمسك لسانه ولا يخوض بغير علم في مثل هذه الأشياء، بل يتريث مرات ومرات قبل أن يقول ما يقول.