[الشهادتان باب الدخول في الإسلام]
أيضاً قال: إنه لا يقبل ركن من أركان الحد بغير الركن الآخر، فلا يقبل تصديق بغير التزام ولا التزام بغير تصديق، فلابد من استيفاء الحد كله لاستحقاق الاسم والصفة، وإن تخلف ركن من أركان الأصل يتخلف به الأصل، وأما الفروع فالغالب أنه لا تلازم بينها.
هذا فيما يتعلق بكلامه في المسلك الإجمالي.
وقد ذكرنا: أنه لا ينازع أحد من أهل السنة في أن أصل دين الإسلام هو: الإقرار المجمل بكل ما صح به الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تصديقاً وانقياداً، وأن من لم يكن في قلبه التصديق والانقياد فهو كافر، وكلمة التوحيد كافية في التعبير عن هذا المعنى، فهذا هو الذي ينبغي أن يقال في حد الإسلام أو في ما يثبت به عقد الإسلام لأي إنسان على وجه هذه الأرض؛ إذ يثبت له أمر الإسلام بكلمة التوحيد الشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فأصل الدين: هو الإقرار المجمل بكل ما صح به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم تصديقاً وانقياداً.
لذلك جعلت هذه الشريعة كلمة الشهادة أو كلمة التوحيد هي باب الدخول في دين الإسلام، وبإعلان المرء هاتين الشهادتين تحصل له عصمة الدماء والأموال والأعراض، وما ذاك إلا لأن كلمة التوحيد تتضمن معنى الالتزام المطلق بالإسلام جملة وعلى الغيب.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله)، وفي بعض روايات مسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي، وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله).
فـ: لا إله إلا الله هي عنوان لوجود هذه المعاني في القلب، فيجب عقد القلب على الالتزام بمقتضياتها وحقوقها، فلا إله إلا الله، تعني: الإقرار المجمل بالتوحيد والبراء المجمل من الشرك.
والشهادة بأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، تعني: الإقرار المجمل بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم تصديقاً وانقياداً، فأصل الدين هو كلمة الشهادتين، وهما أول واجب على المكلف، وأول ما يدعى إليه الناس من الإسلام، كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن.
فأغلب ما ذكره الكاتب في خصائص حد الإسلام أنه جعل له ركنين: ركن التصديق المجمل بخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم جملة على الغيب، والانقياد لشريعته صلى الله عليه وسلم جملة وعلى الغيب، وذكر له خصائص: أنه لا يتبعض، وأنه لا يزيد ولا ينقص، وأغلب هذه الخصائص كلمة التوحيد أولى بها من هذا الحد الذي وضعه وسماه حد الإسلام.
فكلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) صلى الله عليه وسلم هي التي يتوقف على تحقيقها ثبوت عقد الإسلام؛ فلا يكون المرء مسلماً إلا باستيفائها.
أيضاً: هذه الشهادة سابقة على غيرها من التكاليف، وغيرها لاحق بها، ولا يقبل ولا يصح إلا بها.