للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك لأن نفسَ استوائه على العرش بعد أن خلقَ السموات والأرض في ستة أيامٍ عُلِمَ بالسَّمع الذي جاءت به الرسلُ كما أخبَر به في القرآن والتوراة، وأما كونه عاليًا على مخلوقاته بائنًا منهم فهذا أمرٌ معلومٌ بالفطرة الضرورية التي يشتركُ فيها بنو آدم، وكلُّ من كان بالله أعرف, وله أعبَد، ودعاؤه له أكثر، وقلبُه له أذكَر (١) = كان علمُه الضروريُّ بذلك أقوى وأكمل، فالفطرةُ مكمَّلةٌ بالشِّرْعَة (٢) المنزَّلة؛ إذ الفطرة تَعْلَمُ الأمرَ مجملًا والشِّرعة تفصِّلُه وتبيِّنه وتتمِّمه بما لا تستقلُّ الفطرةُ به, فهذا هذا. والله أعلم.

والحاصلُ أن كلَّ من استحكَم في بدعته يرى أن يطرُد قياسَه؛ لما فيه من التسوية بين المتماثلَيْن عنده، وإن استلزَم ذلك كثرةَ مخالفة النصوص. وهذا موجودٌ في المسائل العلمية الخَبرية والمسائل العملية الإرادية، تجدُ المتكلمَ قد يَطْرُدُ قياسَه طردًا مستمرًّا، فيكونُ ظاهرَ الأمر أجودَ ممَّن نقَضَه، وتجدُ المُسْتَنَّ الذي شَرِكَه في ذلك القياس قد يقولُ ما يناقِضُ ذلك القياس في مواضع، مع استشعار التناقض تارةً, وبدون استشعاره وهو الأغلب، وربما يَخِيلُ بفروقٍ ضعيفة، فهو في نقض علَّته والتفريق بين المتماثلَيْن فيما يظهر أنه دون الأول في العلم والخبرة وطَرْدِ القول، وليس كذلك، بل هو خيرٌ من الأول؛ فإن ذلك القياس الذي اشتركا فيه كان فاسدًا في أصله لمخالفة النصِّ والقياس الصحيح، فالذي طَرَده أكثرُ فسادًا وتناقضًا من هذا


(١). الأصل: «وله أعبد ودعاءه له وقلبه له اكثر واكثر». والمثبت من (ط) حسن.
(٢). الأصل: «بالفطرة». وهو من سهو الناسخ. وانظر: «الصفدية» (٢/ ١٥٧) , و «بيان تلبيس الجهمية» (٢/ ٤٧١) , و «درء التعارض» (٨/ ٢٣٨, ١٠/ ٢٧٧) , و «مجموع الفتاوى» (١٠/ ١٤٦, ١٣/ ١٦٧, ١٦/ ٣٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>