للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يمنحُ أحدًا علمًا إلا بقياسٍ منطقيٍّ ينعقد في نفسه؟!

حتى يزعم هؤلاء أن الأنبياء كانوا كذلك، بل صعَدوا إلى ربِّ العالمين، وزعموا أن علمَه بأمور خلقه إنما هو بواسطة القياس المنطقي! وليس معهم بهذا النفي الذي لم يحيطوا بعلمه مِن حجَّةٍ إلا عدمُ العلم، فيدَّعون العلم وقد تكلَّموا بهذه القضية الكلية السَّالبة التي تعمُّ ما لا يحصي عددَه إلا الله بلا علمٍ لهم بها أصلًا.

ويزيدُ هذا بيانًا:

الوجه الخامس: وهو أن المبادئ المذكورة التي جعلوها مفيدةً لليقين, وهي الحِسِّيات الباطنة والظاهرة، والبديهيات, والتجريبيات, والحَدْسيات, لا ريب أنها تفيدُ اليقين, لكنْ (١) مِن أين لهم أن اليقين لا يحصلُ بغيرها؟ لا بدَّ من دليلٍ على النفي حتى يصحَّ قولهم: لا يحصلُ اليقينُ بدونها.

فهذا صحيح، لكنه ليس هو قول رؤوسهم (٢).

ولا ريب أن من له عقلٌ وإيمانٌ يجبُ أن يخالفهم في تكذيبهم بالحقِّ الخارج عن هذا الطريق.

ومِن هذا الموضع صار منافقًا وتزندقَ من نافقَ منهم، وصار عند عقلاء الناس من أهل المِلَل (٣) وغيرهم أن المنطقَ مظنةُ التكذيب بالحقِّ والعناد والزَّندقة والنفاق، حتى حكى لنا بعض الناس: أن شخصًا من الأعاجم جاء


(١). مشتبهة في الأصل, وفي (ط): «الحسنى». (ف): «الحسي». وهو تحريف.
(٢). كذا وقعت هذه الجملة في الأصل, وكأن قبلها سقطًا.
(٣). الأصل: «الملك». والمثبت من (ط) , وهو الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>