للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رأيتُ من أتباع هؤلاء طوائفَ يدَّعون أن هذه الأمور من الأسرار المخزونة والعلوم المَصُونة، وخاطبتُ في ذلك طوائفَ منهم، وكنتُ أحلفُ لهم أن هذا كذبٌ مفترًى وأنه لا يجري من هذه الأمور شيء، وطلبتُ مباهلةَ بعضهم لأن ذلك كان متعلقًا بأصول الدين، وكانوا من الاتحادية الذين يطولُ وصف دعاويهم (١).

فإن شيخَهم الذي هو عارفُ وقته وزاهدُه عندهم (٢)، كانوا يزعمون أنه هو المسيحُ الذي يَنْزِل، وأن معنى ذلك نزولُ روحانيَّة عيسى عليه السلام عليه، وأن أمَّه اسمُها مريم، وأنه يقوم بجمع المِلَل الثلاث، وأنه يظهر مظهرًا أكمل من مظهر محمدٍ وغيره من المرسلين. ولهم مقالاتٌ من أعظم المنكرات يطولُ ذِكرُها ووصفُها.

ثم إن من عجيب الأمر أن هؤلاء المتكلِّمين المدَّعين لحقائق الأمور العلميَّة والدينيَّة المخالفين للسُّنة والجماعة يحتجُّ كلٌّ منهم بما يقعُ له من حديثٍ موضوعٍ أو مجملٍ لا يفهمُ معناه، وكلما وجد أثرًا فيه إجمالٌ نزَّله


(١) انظر: «بغية المرتاد» (٥٢٠ - ٥٢٢).
(٢) ابن هود, كما في المصدر السابق, وقال عنه: «كان من أعظم من رأيناه من هؤلاء الاتحادية زهدًا ومعرفةً ورياضة». وهو الحسن بن علي بن يوسف المرسي, صوفي من أصحاب وحدة الوجود (ت: ٦٩٩). ترجمته في «تاريخ الإسلام» (١٥/ ٩٠٤) , و «العبر» (٥/ ٣٩٧) , و «أعيان العصر» (٢/ ٢٠٠) , و «الوافي» (١٢/ ١٥٦) وغيرها. قال المقريزي في «المقفى» (٣/ ٤٢٨): «كان شيخ الإسلام أحمد بن تيمية كثير الوقيعة فيه والتنقص له ينفِّر الناسَ عنه التنفير الكثير ويحذِّر منه التحذير الوافر».

<<  <  ج: ص:  >  >>