للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الشورى ٥٢، ٥٣].

وأبو محمَّدٍ وأمثالُه قد سلكوا مسلكَ الملاحدة الذين يقولون: إن الرسول لم يبيِّن الحقَّ في باب التوحيد، ولا بيَّن للناس ما هو الأمرُ عليه في نفسه، بل أظهرَ للناس خلافَ الحقِّ، والحقُّ إما كتَمَه وإما [أنه] غيرُ عالمٍ به.

فإن هؤلاء الملاحدة من المتفلسفة ومن سلكَ سبيلَهم, المخالفين لما جاء به الرسولُ في الأمور العِلْمية، كالتوحيد والمعاد وغير ذلك، يقولون: إن الرسولَ أحكَمَ الأمورَ العملية المتعلِّقة بالأخلاق والسِّياسة المنزلية والمدنية (١)، وأتى بشريعةٍ عمليةٍ هي أفضلُ شرائع العالم، ويعترفون بأنه لم يقرَع العالمَ ناموسٌ أفضلَ من ناموسه ولا أكملَ منه (٢)، فإنهم رأوا حُسْنَ سياسته للعالم وما أقامه من سُنَن العدل ومحاه من الظُّلم.

وأما الأمورُ العِلميةُ التي أخبَر بها ــ مِن صفات الربِّ, وأسمائه, وملائكته, وكتبه, ورسله، واليوم الآخر, والجنة والنار ــ فلما رأوها تخالفُ ما هم عليه صاروا في الرَّسول فريقين:

* فغُلاتهم يقولون: إنه لم يكن يعرفُ هذه المعارف، وإنما كان كمالُه في الأمور العملية العباداتِ والأخلاق، وأما الأمورُ العِلمية فالفلاسفةُ أعلمُ


(١) انظر: «آراء أهل المدينة الفاضلة» للفارابي (١٢٣) , و «الصفدية» (٢/ ٢٣٢) , و «الرد على الشاذلي» (٢٠٣) , و «مجموع الفتاوى» (١٧/ ٣٣٠).
(٢) كما تقدم (ص: ١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>