للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليت شعري هل عقلُه هذا كان مصرَّحا بتقديمه في الشريعة المحمَّدية، فيكون من السبيل المأمور باتباعه، أم هو عقلُ مبتدعٍ جاهلٍ ضالٍّ حائرٍ (١) خارجٍ عن السبيل؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله.

وهؤلاء الاتحاديةُ وأمثالهم إنما أُتوا من قلَّة العلم والإيمان بصفات الله التي يتميَّز بها عن المخلوقات، وقلة اتباع السُّنة وطريقة السَّلف في ذلك، بل قد يعتقدون من التجهُّم ما ينافي السُّنة، تلقِّيًا لذلك عن متفلسفٍ أو متكلِّم، فيكونُ ذلك الاعتقادُ صادًّا لهم عن سبيل الله، كلما أرادت قلوبُهم أن تتقرَّب إلى ربها وتسلكَ الصراط المستقيم إليه وتعبدَه كما فُطِروا عليه وكما بلَّغَتْهم الرسلُ من علوِّه وعظمته= صَرَفَتْهم تلك العوائقُ المُضِلَّةُ عن ذلك.

حتى تجد خلقًا من مقلِّدة الجهمية يوافقُهم بلسانه، وأما قلبُه فعلى الفطرة والسُّنة، وأكثرُهم لا يفهمون النفيَ الذي يقولونه بألسنتهم، بل يجعلونه تنزيهًا مطلقًا مجملًا.

ومنهم من لا يفهمُ قول الجهمية، بل يفهمُ من النفي معنًى صحيحًا، ويعتقدُ أن المُثْبِتَ يثبتُ نقيض ذلك، ويسمعُ من بعض الناس ذِكْرَ ذلك.

مثل أن يفهمَ من قولهم: ليس بجهة، ولا له مكان، ولا هو في السماء, أنه ليس في جوف السموات. وهذا معنًى صحيح، وإيمانُه بذلك حقٌّ، ولكنْ يظنُّ أن الذين قالوا هذا النفيَ اقتصروا على ذلك، وليس كذلك، بل مرادُهم أنه ما فوق العرش شيءٌ أصلًا، ولا فوق السموات إلا عدمٌ محض، ليس


(١). الأصل: «جائر» , وهو محتمل, والمثبت من (ط) أشبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>