للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في غاية الفساد والظلم؛ إذ لو ذَمَّ به بعضُ من يصلُح لبعض العامَّة تقليدُه لم يكن له أن يحتجَّ به؛ إذ المقلدُ الآخرُ لمن يصلُح له تقليدُه لا يَذُمُّ به.

ثم مثل أبي محمدٍ وأمثاله لم يكن يستحلُّ أن يتكلَّم في كثيرٍ من فروع الفقه بالتقليد (١)، فكيف يجوزُ له التكلُّم في أصول الدين بالتقليد؟!

والنُّكتة أن الذامَّ به إما مجتهدٌ وإما مقلِّد, أما المجتهدُ فلا بدَّ له من نصٍّ أو إجماعٍ أو دليلٍ يُسْتَنْبَطُ منه ذلك، فإن الذمَّ والحمدَ من الأحكام الشرعية، وقد قدَّمنا بيان ذلك (٢)، وذكرنا أن الحمدَ والذمَّ، والحبَّ والبغض، والوعدَ والوعيد، والموالاةَ والمعاداة، ونحو ذلك من أحكام الدين، لا يصلحُ إلا بالأسماء التي أنزل الله بها سلطانَه، فأما تعليقُ ذلك بأسماء مبتدعَةٍ فلا يجوز، بل ذلك مِن باب شرع دينٍ لم يأذن به الله، وأنه لا بدَّ من معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله.

والمعتزلة أيضًا تفسِّقُ من الصحابة والتابعين طوائف، وتطعنُ في كثيرٍ منهم وفيما رووه من الأحاديث التي تخالفُ آراءهم وأهواءهم، بل تكفِّرُ أيضًا من يخالفُ أصولهم التي انتحلوها من السَّلف والخلف، فلهم من الطَّعن في علماء السَّلف وفي عِلمهم ما ليس لأهل السُّنة والجماعة، وليس


(١) ومن ذلك قوله في فصل بديع من كتابه «قواعد الأحكام» (٢/ ٢٧٤ - ٢٧٥): «ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقفُ أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعًا, وهو مع ذلك يقلِّده فيه، ويتركُ من شهد الكتابُ والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبه, جمودًا على تقليد إمامه، بل يتحيَّل لدفع ظواهر الكتاب والسنة, ويتأولها بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالًا عن مُقَلَّده».
(٢) (ص: ٢٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>