للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجعَ قطُّ عن قوله واعتقاده، بل هم أعظمُ الناس صبرًا على ذلك، وإن امتُحِنوا بأنواع المِحَن وفُتِنوا بأنواع الفتن.

وهذه حالُ الأنبياء وأتباعِهم من المتقدِّمين (١) كأهل الأخدود ونحوهم، وكسَلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وغيرهم من الأئمة.

حتى كان مالك - رحمه الله - يقول: «لا تَغْبِطُوا أحدًا لم يُصِبْه في هذا الأمر بلاء» (٢) , يقول: إن الله لا بدَّ أن يبتلي المؤمن، فإن صبَر رفع درجتَه (٣)، كما قال تعالى: {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: ١ ــ ٣]، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: ٢٤]، وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر].

ومَن صبَر من أهل الأهواء على قوله فذاك لما فيه من الحقِّ؛ إذ لا بدَّ في


(١). الأصل: «من الأنبياء المتقدمين».
(٢). أخرجه يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (١/ ٤٧٤, ٦٦٠) ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٣٨/ ٣٤٣) , وأبو العرب التميمي في «المحن» (٢٩٧) عن مالك عن عمر بن عبد العزيز قال: «ما أغبط أحدًا ... ». وانظر: «ترتيب المدارك» (٢/ ١٣٤).
(٣). انظر: «البيان والتحصيل» (١٨/ ٣٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>