للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: الجَدَليُّ ما سَلَّم المخاطَبُ مقدِّماته, والخَطَابيُّ ما كانت مقدِّماتُه مشهورةً بين الناس، والبُرهانيُّ ما كانت مقدِّماته معلومة.

وكثيرٌ من المقدِّمات تكونُ مع كونها خطابيةً أو جدليةً يقينيةً برهانية، بل وكذلك مع كونها شِعْرية، ولكن هي من جهة التيقُّن بها تسمَّى برهانية، ومن جهة شهرتها عند عموم الناس وقبولهم لها تسمَّى خَطابية، ومن جهة تسليم الشَّخص المعيَّن لها تسمَّى جدلية.

وهذا كلامُ أولئك المبتدعة من الصَّابئة (١) الذين لم يذكروا النبوَّات ولا تعرَّضوا لها بنفيٍ ولا إثبات. وعدمُ التصديق للرُّسل واتباعِهم كفرٌ وضلالٌ وإن لم يُعْتَقد تكذيبُهم, فالكفرُ والضلالُ أعمُّ من التكذيب.

وأما قولُ بعض المتأخرين في المشهورات (٢): هي المقبولات, لكون صاحبها مؤيدًا بأمرٍ يوجبُ قبولَ قوله, ونحو ذلك= فهذه من الزيادات التي ألزمتهم إياها الحجَّة، ورأوا وجوبَ قبولها على طريقة الأوَّلين.

ولهذا [كان] غالبُ صابئة المتأخرين ــ الذين هم الفلاسفة ــ ممتزجين بالحنيفية, كما أن غالبَ من دخل في الفلسفة من الحنفاء مَزَج الحنيفية بالصُّبوء (٣) ولَبَسَ الحقَّ بالباطل. أعني بالصُّبوء: المبتَدَعَ الذي ليس فيه إيمانٌ بالنبوات، كصُبوء صاحب المنطق وأتباعه.

وأما الصُّبوء القديمُ فذاك أصحابه منهم المؤمنون بالله واليوم الآخر، الذين آمنوا وعملوا الصالحات,


(١). الأصل: «في الصابئة». تحريف.
(٢). أي المقدمات المشهورة في القياس الخطابي.
(٣). مصدر صبأ, وهو دين الصابئة.

<<  <  ج: ص:  >  >>