للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه، فلا بدَّ أن يكون الفرقُ بين الذاتي والعَرَضي بوصفٍ ثابتٍ في نفس الأمر، سواءٌ حصل الإدراكُ له أو لم يحصل, إذ (١) كان أحدهما جزءًا للحقيقة دون الآخر, وإلا فلا.

الوجه العاشر: أن يقال: كونُ الذهن لا يعقلُ هذا إلا بعد هذا، إن كان إشارةً إلى أذهانٍ معينةٍ [هي] التي تصوَّرت هذا لم [يكن] هذا حجَّة؛ لأنهم هم وضعوها (٢) هكذا. فيكونُ التقدير: أن ما قدَّمناه في أذهاننا على الحقيقة فهو الذاتي، وما أخَّرناه فهو العَرَضي. ويعودُ الأمر إلى أنا تحكَّمنا بجعل بعض الصِّفات ذاتيًّا وبعضها عَرَضيًّا لازمًا. وإن [كان] الأمرُ كذلك [كان] هذا الفرقانُ مجرَّد تحكمٍ بلا سلطان.

ولا يُسْتَنكَرُ لهؤلاء أن يجمعوا بين المفترقَين (٣) , ويفرِّقوا بين المتماثلَين, فما أكثر هذا في مقاييسهم التي ضلُّوا بها وأضلوا, وهم أولُ من أفسَد دينَ المسلمين، وابتدَع ما غيَّر به مذهبَ الصَّابئة المهتدين.

وإن قالوا: بل جميعُ أذهان بني آدم أو الأذهانُ الصَّحيحة لا تُدْرِكُ الإنسانَ إلا بعد خُطور نطقِه ببالها دون ضَحِكه.

قيل لهم: هذا ليس بصحيح، ولا يكاد يوجدُ هذا الترتيبُ إلا فيمن تقلَّد عنكم هذه الحدود مِن المقلِّدين لكم في الأمور التي جعلتموها ميزانَ المعقولات، وإلا فبنو آدم قد لا يخطرُ لأحدهم أحدُ الوصفين، وقد يخطرُ له


(١). الأصل: «إن». والمثبت أشبه.
(٢). الأصل: «وضعوا».
(٣). الأصل: «الفرقين».

<<  <  ج: ص:  >  >>