للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلٌّ يدَّعي وصلًا بليلى ... وليلى لا تُقِرُّ لهم بذاكا

فمن قال من الشعر ما هو حكمةٌ أو تمثَّل ببيتٍ من الشعر فيما تبيَّن أنه حقٌّ لكان قريبًا, أما إثباتُ الدعوى بمجرَّد كلامٍ منظومٍ من شعرٍ أو غيره فيقال لصاحبه: ينبغي أن تبيِّن أن السَّلف لا يقرُّون بمن انتحَلهم.

وهذا ظاهرٌ فيما ذكره (١) هو وغيرُه ممن يقولون عن السَّلف ما لم يقولوه ولم ينقله عنهم أحدٌ له معرفةٌ بحالهم وعَدَل فيما نقَل، فإن الناقل لا بدَّ أن يكون عالمًا عدلًا.

فإن فُرِض أن أحدًا نقَل مذهبَ السَّلف كما يذكُره، فإما أن يكون قليلَ المعرفة بآثار السَّلف، كأبي المعالي, وأبي حامد الغزالي, وابن الخطيب (٢) وأمثالهم ممن لم يكن له من المعرفة بالحديث ما يعدُّ به من عوامِّ أهل الصناعة فضلًا عن خواصِّها، ولم يكن الواحدُ من هؤلاء يَعْرِفُ البخاريَّ ومسلمًا وأحاديثهما إلا بالسَّماع، كما يذكرُ ذلك العامَّة، ولا يميِّزون بين الحديث الصحيح المتواتر عند أهل العلم بالحديث والحديث المفترى المكذوب، وكتبهم أصدقُ شاهدٍ بذلك, ففيها عجائب (٣).


(١) أي العز.
(٢) فخر الدين الرازي.
(٣) قال المصنف في «التسعينية» (٩٢٣): « ... واعتبر ذلك بأن كتاب أبي المعالي الذي هو نخبة عمره نهاية المطلب في دراية المذهب ليس فيه حديثٌ واحدٌ معزوٌّ إلى صحيح البخاري إلا حديثٌ واحدٌ في البسملة [«نهاية المطلب» (٢/ ١٣٧)] , وليس ذلك الحديث في البخاري كما ذكره»!! وانظر لمبلغ علمه بالحديث: منتخب «المنثور من الحكايات والسؤالات» لابن طاهر (٤٠٦) , و «الأنساب» للسمعاني (٣/ ٣٨٦) , و «طبقات الشافعية» لابن الصلاح (١/ ٢٣٠) , و «شرح مشكل الوسيط» له (٦/ ٥٢٩) , و «السير» (١٨/ ٤٧١) , و «طبقات الشافعية» للسبكي (٦/ ١٥١) , , و «التلخيص الحبير» (١/ ٦٥, ١٦١, ٢٥٦, ٢٧٥, ٢/ ١٩, ٥٠, ٦١, ٣/ ٩٢, ٢٠١, ٤/ ٢٦, ٥٧, ٨٤, ١٨٣).
أما الغزالي فأمره أظهر وإنكار العلماء عليه في هذا أشهر, وقد اعترف في «قانون التأويل» (١٦) بأن بضاعته في علم الحديث مزجاة. وكتبه مشحونةٌ بالموضوعات والواهيات وما لا أصل له, وللسبكي في «الطبقات» (٦/ ٢٨٧ - ٣٨٩) فصلٌ طويلٌ في ما لم يوجد له إسنادٌ من أحاديث الإحياء. وهو يتبع شيخه أبا المعالي الجويني في أحاديث الأحكام ويقلده في أوهامه. انظر: «التلخيص الحبير» (١/ ١٩٧, ٢٢٢, ٢٨٣, ٣٤٨, ٤٢٢, ٤٩٦, ٢/ ١٢٣, ٣/ ٧٤, ٧٩, ٨٨, ٩٣, ١٧٧, ٤/ ٢٨٨) , وقال ابن حجر في (٢/ ٤٠) بعد أن ذكر له وهمًا تابع شيخه فيه: «وهذا دليلٌ على عدم اعتنائهما معًا بالحديث».

وكذلك كان الفخر الرازي أجنبيًّا عن علم الحديث, وليس له به عنايةٌ ولا تصنيفٌ في روايته أو فقهه. انظر: «بيان تلبيس الجهمية» (٦/ ٩٨, ٣٣٨, ٨/ ١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>