للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإنسانُ يجدُ نفسَه عالمةً، وهذا حقٌّ, فإنه لا يجوزُ أن يستدلَّ الإنسانُ على كونه عالمًا بدليل؛ فإن علمَه بمقدمات ذلك الدليل يحتاجُ إلى أن يجد نفسَه عالمةً بها، فلو احتاج علمُه بكونه عالمًا إلى دليلٍ أفضى إلى الدَّور أو التسلسل, ولهذا يحسُّ (١) الإنسانُ بوجود العلم عند وجود سببه إن كان بديهيًّا أو إن كان نظريًّا إذا عَلِمَ المقدمتين.

وبهذا استُدِلَّ على منكري إفادة النظرِ العلمَ، وإن كان في هذه المسألة تفصيلٌ ليس هذا موضعه (٢).

فالغرض أن من نظر في دليلٍ يفيدُ العلمَ وجد نفسَه عالمةً عند علمه بذلك الدليل، كما يجدُ نفسَه سامعةً رائيةً عند الاستماع للصَّوت والترائي للشمس أو الهلال أو غير ذلك.

والعلمُ يحصُل في النفس كما تحصُل سائر الإدراكات والحركات بما يجعله الله من الأسباب، وعامَّةُ ذلك بملائكة الله تعالى؛ فإن الله سبحانه يُنْزِلُ بها على قلوب عباده من العلم والقوَّة وغير ذلك ما يشاء، ولهذا قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لحسَّان: «اللهم أيِّده بروح القُدس» (٣).

وقال تعالى: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: ٢٢].

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من طَلَبَ القضاءَ واستعان عليه وُكِلَ إليه, ومن لم يَطْلُب


(١) الأصل: «ولهذا لا يحس». والمثبت أقوم بالمراد.
(٢) انظر: «درء التعارض» (٣/ ٣٠٣, ٥/ ٢٧٠).
(٣) أخرجه البخاري (٤٥٣) ومسلم (٢٤٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>