للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ ذاك صغيرٌ قريبُ العهد من الاحتلام (١): كلُّ ما يقولُه هؤلاء ففيه باطلٌ إما في الدلائل وإما في المسائل، إما أن يقولوا مسألةً تكون حقًّا لكن يُقِيمُون عليها أدلةً ضعيفة، وإما أن تكون المسألةُ باطلًا. فأخذ يعظِّمُ هذا، وذكر مسألةَ التوحيد، فقلت: التوحيدُ حقٌّ، لكن اذكُرْ ما شئتَ من أدلَّتهم التي تعرفُها حتى أذكُرَ لك ما فيه. فذَكَر بعضها بحروفه, [فذكرتُ له ما فيه] (٢) حتى فَهِم الغلط, وذهب إلى ابنه ــ وكان أيضًا من المتعصِّبين لهم ــ فذكر ذلك له, قال: فأخذ يعظِّمُ ذلك عليَّ، قال: فقلت: أنا لا أشكُّ في التوحيد، ولكن أشكُّ في هذا الدليل المعيَّن.

ويدلُّك على ذلك أمور:

أحدها: أنك تجدُهم أعظمَ الناس شكًّا واضطرابًا، وأضعفَ الناس علمًا ويقينًا، وهذا أمرٌ يجدونه في أنفسهم ويَشْهَدُه الناسُ منهم، وشواهدُ ذلك أعظمُ من أن تُذْكَر هنا، وإنما فضيلةُ أحدهم باقتداره على الاعتراض والجدل الباطل (٣) , ومن المعلوم أن الاعتراض والقدحَ ليس بعلمٍ ولا فيه


(١) انظر مناظرة أخرى للمصنف وهو إذ ذاك «صغيرٌ جدًّا» مع أحد المتعصبة لابن عربي في «مجموع الفتاوى» (١٠/ ٥٦٠). قال الذهبي في «الدرة اليتيمية»: «كان يحضر المدارس والمحافل في صغره ويناظِر ويفحِم الكبار ويأتي بما يتحيَّر منه أعيانُ البلد في العلم». «تكملة الجامع لسيرة شيخ الإسلام» (٣٧) , و «العقود الدرية» (٩).
(٢) زيادة تقديرية يقتضيها الكلام.
(٣) الأصل: «الاعتراض والحد والدليل» , ويحتمل أن يكون أراد بذلك موضوعات علم المنطق (الحدود والأقيسة والجدل) إلا أن السياق لا يؤيده, وأُصْلِحَت في (ط) إلى «الاعتراض والقدح والجدل». والمثبت أشبه بالصواب وأدنى إلى رسم الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>