للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينتفعُ به عمومُ الناس في أمر الإيمان بالله وبالمعاد، وذلك يقرِّرُ في النفوس من عظمة الله وعظمة اليوم الآخر ما يَحُضُّ النفوسَ على عبادة الله وعلى الرجاء والخوف، فينتفعون بذلك وينالون السعادةَ بحسب إمكانهم واستعدادهم، إذ هذا الذي فعلته الرُّسلُ هو غايةُ الإمكان في كشف الحقائق لعموم النَّوع البشريِّ، ومقصودُ الرُّسل حِفْظُ النَّوع البشريِّ وإقامةُ مصلحة معاشه ومعاده= فمعلومٌ أن هذا قولُ حُذَّاق الفلاسفة، مثل الفارابي وابن سينا وغيرهما، وهو قولُ كلِّ حاذقٍ وفاضلٍ من المتكلِّمين في القَدْر الذي يخالفُ فيه أهلَ الحديث (١).

فالفارابيُّ يقول: «إن خاصَّة النبوَّة جودةُ تخييل الأمور المعقولة في الصُّوَر المحسوسة» أو نحو هذه العبارة (٢).

وابن سينا يذكرُ هذا المعنى في مواضع (٣)، ويقول: ما كان يمكنُ موسى بن عمران مع أولئك العِبْرانيين، ولا يمكنُ محمدًا مع أولئك العرب الجُفاة، أن يبيِّنا لهم الحقائقَ على ما هي عليه، فإنهم كانوا يعجَزون عن فهم ذلك، وإن فَهِمُوه على ما هم عليه انحلَّت عَزَماتُهم عن اتباعه؛ لأنهم لا يرون من العلم ما يقتضي العمل.


(١) انظر: «الصفدية» (١/ ٢٠٢, ٢٣٧) , و «بيان تلبيس الجهمية» (١/ ٣٢٨) , و «درء التعارض» (١/ ١٧٩, ٥/ ٢١, ٧/ ٣٣٣) , و «الجواب الصحيح» (٦/ ٥١٩) , و «الرد على المنطقيين» (٢٨١).
(٢) انظر: «آراء أهل المدينة الفاضلة» (١١٥).
(٣) انظر: «النجاة» (٢/ ١٦٧) , و «الرسالة الأضحوية» (٤٥, ٤٩ - ٥١, ٥٩) , ورسالة في إثبات النبوات (١٢٥ - تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات).

<<  <  ج: ص:  >  >>