للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم تكن منهم ولا من الملأ فلا وجه لذمِّ قومٍ بلفظ «التستُّر».

وإن أردتَ بالتستُّر أنهم يَجْتنُّون به (١) ويتَّقون به غيرهم, ويتظاهرون به, حتى إذا خوطب أحدُهم قال: «أنا على مذهب السَّلف» , وهذا الذي أراده (٢) والله أعلم= فيقال له: لا عيبَ على من أظهرَ مذهبَ السَّلف وانتسبَ إليه واعتزى إليه، بل يجبُ قبولُ ذلك منه بالاتفاق؛ فإن مذهبَ السَّلف لا يكونُ إلا حقًّا. فإن كان موافقًا له باطنًا وظاهرًا فهو بمنزلة المؤمن الذي هو على الحق باطنًا وظاهرًا، وإن كان موافقًا له في الظاهر فقط دون الباطن فهو بمنزلة المنافق فتُقْبَلُ منه علانيتُه وتُوْكَلُ سريرتُه إلى الله؛ فإنَّا لم نُؤْمَر أن نَنْقُبَ عن قلوب الناس ولا نَشُقَّ بطونهم.

وأما قوله: «مذهب السَّلف إنما هو التوحيدُ والتنزيه, دون التجسيم والتشبيه» , فيقال له: لفظ «التوحيد، والتنزيه، والتشبيه، والتجسيم» ألفاظٌ قد دخلها الاشتراك, بسبب اختلاف اصطلاحات المتكلِّمين وغيرهم، وكلُّ طائفةٍ تَعْنِي بهذه الأسماء ما لا يعنيه غيرُهم.

فالجهميةُ من المعتزلة وغيرهم يريدون بالتوحيد والتنزيه: نفيَ جميع الصِّفات، وبالتجسيم والتشبيه: إثباتَ شيءٍ منها، حتى إن من قال: إن الله يَرى، أو إن له علمًا، فهو عندهم مشبِّهٌ مجسِّم.

وكثيرٌ من المتكلِّمة الصِّفاتية يريدون بالتوحيد والتنزيه: نفيَ الصِّفات الخبرية أو بعضِها، وبالتجسيم والتشبيه: إثباتَها أو بعضِها.


(١) يستترون به ويتخذونه جُنَّة.
(٢) العز بن عبد السلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>