للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أن يخرق (١) سمع أحدهم وبصره حتى يسمع ويرى من الأمور الموجودة في الخارج ما لا يراه غيره؟ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إني أرى ما لا ترون، وأسمعُ ما لا تسمعون، أَطَّت السَّماءُ وحُقَّ لها أن تئطَّ, ما فيها موضعُ أربع أصابع إلا وملَكٌ قائمٌ أو قاعدٌ أو راكعٌ أو ساجد» (٢)، فهذا إحساسٌ بالظاهر أو الباطن لما هو في الخارج.

وكذلك العلومُ الكليةُ البديهية، قد علمتم أنها ليس لها حدٌّ في بني آدم، فمن أين لكم أن بعض النفوس ما يكونُ لها من العلوم البديهية التي يختصُّ بها أو بها وبأمثالها ما لا يكونُ من البديهيات عندكم؟

وإذا كان هذا ممكنًا ــ وعامةُ أهل الأرض على أنه واقعٌ لغير الأنبياء, دَع الأنبياء ــ فمثلُ هذه العلوم ليس في منطقكم طريقٌ إليها؛ إذ ليست من المشهورات ولا الجَدَلية ولا موادُّها عندكم يقينية، وأنتم لا تعلمون نفيَها، وجمهورُ أهل الأرض من الأولين والآخرين على إثباتها، فإن كذَّبتم بها كنتم ــ مع الكفر والتكذيب بالحقِّ, وخسارة الدنيا والآخرة ــ تاركين لمنطقكم أيضًا، وخارجين عمَّا أوجبتموه على أنفسكم أنكم لا تقولون إلا بموجَب القياس؛ إذ ليس لهم بهذا النفي قياسٌ ولا حجَّةٌ تُذْكَر, ولهذا لم يذكروا عليه حجَّة, وإنما اندرج هذا النفيُ في كلامهم (٣) بغير حجَّة.

وإن قلتم: بل هي حقٌّ، اعترفتم بأن من الحقِّ ما لا يوزنُ بميزان منطقكم.


(١) غير محررة في الأصل, والمثبت من (ط).
(٢) تقدم تخريجه (ص: ١٧٦).
(٣) الأصل: «كلامكم».

<<  <  ج: ص:  >  >>