للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا صار من ضلَّ بمثل هذا الكلام يدَّعي مساواة الأنبياء والمرسلين أو التقدُّم عليهم (١)، وهذا كثيرٌ فى كثيرٍ من الناس الذين يعتقدون في أنفسهم أنهم أكملُ النَّوع، وهم مِن أجهل الناس وأظلمِهم وأكفَرِهم وأعظمِهم نفاقًا.

* وأما المتكلِّمون المنطقيُّون, فيقولون: يُعْلَمُ بهذا القياس ثبوتُ الصَّانع, وقدرتُه, وجوازُ إرسال الرسل، وتأييدُه لهم بما يوجبُ تصديقَهم فيما يقولونه.

وهذه الطريقةُ أقربُ إلى طريقة العلماء المؤمنين، وإن كان قد يكونُ فيها أنواعٌ من الباطل، تارةً من جهة ما تَقَلَّدوه عن المنطقيِّين، وتارةً من جهة ما ابتدَعوه هم، مما ليس هذا موضعه.

ومنطقيَّةُ اليهود والنصارى كذلك، لكنَّ الهدى والعلمَ والبيانَ في فلاسفة المسلمين ومتكلِّميهم أعظمُ منه في أهل الكتابَيْن؛ لما في تَيْنِكَ الملَّتين من الفساد.

ولكن الغرض تقريرُ جنس النبوَّات؛ فإن أهل المِلَل متَّفقون عليها، لكن اليهود والنصارى آمنوا ببعض الرُّسل وكفروا ببعض، والصابئةُ الفلاسفةُ ونحوهم آمنوا ببعض صفات الرسالة دون بعض، فإذا اتفق متفلسفٌ من أهل الكتاب جَمَع الكُفْرَين: الكفر بخاتم المرسلين، والكفر بحقائق صفات الرسالة في جميع المرسلين. فهذا هذا.

فيقالُ لهم ــ مع علمهم بتفاوت قُوى بني آدم في الإدراك ــ: ما المانعُ


(١) كما سبق في تفضيل الفيلسوف على النبي (ص: ١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>