للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندهم منه ليس بمتيقَّنٍ معلوم، بل قد صرَّح أساطينُ الفلسفة أن العلوم الإلهية لا سبيل فيها إلى اليقين، وإنما يُتَكلَّمُ فيها بالأحرى والأخلَق (١). فليس معهم فيها إلا الظن, {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: ٢٨].

ولهذا يوجدُ عندهم من المخالفة للرُّسل أمرٌ عظيمٌ باهر، حتى قيل مرَّةً لبعض الأشياخ الكبار (٢) ممَّن يعرفُ الكلام والفلسفة والحديث وغير ذلك: ما الذي بين الأنبياء والفلاسفة؟ فقال: السيفُ الأحمر (٣).

ويريدُ الذي يسلكُ طريقتَهم أن يوفِّق بين ما يقولونه وبين ما جاءت به الرُّسل، فيدخلُ من السَّفْسَطة والقَرْمَطة في أنواعٍ من المُحَال الذي لا يرضاه عاقل، كما فعل أصحابُ «رسائل إخوان الصفا» وأمثالهم (٤) , ومِن هنا ضلَّت القرامطةُ والباطنيةُ ومَن شَرَكَهم في بعض ذلك, وهذا بابٌ يطولُ وصفُه ليس الغرض هنا ذكره.

وإنما الغرض أن معلِّمَهم وضعَ منطقَهم ليَزِنَ به ما يقولونه من هذه


(١) حكاه عنهم الرازي في «المطالب العالية» (١/ ٤١). وانظر: «الاستقامة» (١/ ٧٩) , و «درء التعارض» (١/ ١٥٩) , و «بيان تلبيس الجهمية» (٢/ ٤٦٨, ٤/ ١٠٦).
(٢) في «الصفدية» (٢/ ٢٢٧): «بعض شيوخنا الفضلاء».
(٣) كناية عن الحرب والعداوة. كما قال الذهبي في «العبر» (٥/ ١٨) عن الرازي: «كان بينه وبين الكرامية السيف الأحمر، فينال منهم وينالون منه سبًّا وتكفيرًا، حتى قيل: إنهم سمُّوه فمات».
(٤) كأبي الوليد بن رشد وابن سينا. انظر: «الصفدية» (١/ ١٦٠) , و «الجواب الصحيح» (٦/ ٢٤) , و «بغية المرتاد» (١٩٩) , و «بيان تلبيس الجهمية» (٢/ ٤٣٦) , و «الرد على الشاذلي» (١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>