للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ابن عربي يصرِّح في فصوصه أن الولاية أعظمُ من النبوَّة، بل أكمل من الرسالة (١)، ومن كلامه:

مقامُ النبوَّة في برزخٍ ... فُوَيْقَ الرسول ودونَ الولي (٢)

وبعض أصحابه يتأوَّل ذلك بأن ولاية النبيِّ أفضلُ من نبوَّته، وكذلك ولاية الرسول أفضلُ من رسالته، أو يجعلون ولايتَه حالَه مع الله، ورسالتَه حالَه مع الخلق. وهذا من بليغ الجهل؛ فإن الرسول إذا خاطب الخلقَ وبلَّغهم الرسالة لم يفارِق الولاية، بل هو وليُّ الله في تلك الحال كما هو وليُّ الله في سائر أحواله، فإنه وليٌّ لله ليس عدوًّا له في شيءٍ من أحواله، وليس حالُه في تبليغ الرسالة دون حاله إذا صلَّى ودعا الله وناجاه.

وأيضًا، فما يقول هذا المتكلِّف (٣) في قول هذا المعظَّم (٤): إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لَبِنَةٌ من فضة، وهو لَبِنَتان من ذهبٍ وفضة، ويزعمُ أن لَبِنَة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - هي العلمُ الظاهر، ولَبِنَتاه: الذهبُ علمُ الباطن والفضةُ علمُ الظاهر، وأنه يتلقَّى ذلك بلا واسطة, ويصرِّح في فصوصه أن رتبةَ الولاية أعظمُ من رتبة النبوَّة؛ لأن الوليَّ يأخذُ بلا واسطةٍ والنبيَّ بواسطة، فالفضيلةُ التي امتاز بها على النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظمُ عنده مما شاركه فيه.


(١) «فصوص الحكم» (٦٢, ١٣٤ - ١٣٦).
(٢) بمعناه في «لطائف الأسرار» (٤٩) , وآخر في «الفتوحات المكية» (٢/ ٢٥٢). انظر: «منهاج السنة» (٥/ ٣٣٦).
(٣) المتكلِّف في التماس المحامل والأعذار لأئمة الاتحاد, المعظِّم لهم.
(٤) «فصوص الحكم» (٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>