للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا لمَّا ذكر الله سبحانه قولَ الذين ما قَدَرُوا الله حقَّ قَدْرِه حيثُ أنكروا الإنزالَ على البَشَر (١) , ذكَر المتشبِّهين به (٢) المدَّعين لمماثلته من الأقسام الثلاثة، فإن المماثِل له إما أن يقول: إن الله أوحى إلي، أو يقول: أُوحِي إلي، وأُلقِي إلي، وقيل لي، ولا يسمي القائل، أو يضيف ذلك إلى نفسه ويذكر أنه هو المنشئ له (٣).

ووجه الحصر: أنه إما أن يَحْذِفَ الفاعلَ أو يَذْكُرَه، وإذا ذَكَرَه فإما أن يجعلَه من قول الله أو من قول نفسه, فإنه إذا جَعَله من كلام الشياطين لم يُقْبَل منه، وما جَعَله من كلام الملائكة فهو داخلٌ فيما يُضِيفه إلى الله وفيما حُذِف فاعلُه، فقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: ٩٣].

وتدبَّر كيف جعَل الأوَّلَيْن في حيِّزٍ: الذي جَعَله وحيًا من الله, والذي لم (٤) يُسَمِّ الموحِي، فإنهما من جنسٍ واحد في ادعاء جنس الإنباء، وجعَل الآخر في حيِّزٍ وهو الذي ادعى أن يأتي بمثله، ولهذا قال: {مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ}، ثم قال: {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} , فالمفتري للكذب والقائل: «أوحِي إلي» ولم يوحَ إليه شيءٌ من جملة الاسم الأول، وقد قَرَن


(١) سورة الأنعام: ٩١.
(٢) المتنبئين المتشبهين بالنبي.
(٣) انظر: «شرح الأصفهانية» (٦٩٤) , و «النبوات» (٩٠١) , و «الفتاوى» (١٢/ ٢٥, ١٥/ ١٥٦, ٣٥/ ١٤٣).
(٤) الأصل: «الذي جعله وحيا من الله ولم». وهو محيلٌ للمعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>