للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحال المبلَّغ عنه، كما يكونُ في أتباع الأئمَّة من هو أفهمُ لنصوصهم من بعض أصحابهم.

ومن المستقرِّ في أذهان المسلمين أن ورثةَ الرُّسل وخلفاءَ الأنبياء هم الذين قاموا بالدِّين علمًا وعملًا ودعوةً إلى الله والرسول، فهؤلاء أتباعُ الرسول حقًّا، وهم بمنزلة الطائفة الطيِّبة من الأرض التي زَكَت, فقَبِلَت الماءَ, فأنبتَت الكَلأَ والعُشْبَ الكثير، فزَكَت في نفسها وزَكَا الناسُ بها.

وهؤلاء هم الذين جمعوا بين البصيرة في الدين والقوَّة على الدعوة، ولذلك كانوا ورثةَ الأنبياء الذين قال الله تعالى فيهم: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} [ص: ٤٥] , فالأيدي: القوَّة في أمر الله، والأبصار: البصائر في دين الله، فبالبصائر يُدْرَكُ الحقُّ ويُعْرَف، وبالقوة يُتَمَكَّنُ من تبليغه وتنفيذه والدعوة إليه.

فهذه الطبقةُ كان لها قوَّةُ الحفظ والفهم والفقه في الدين والبصر بالتأويل، ففجَّرت من النصوص أنهارَ العلوم، واستنبطَت منها كنوزَها، ورُزِقَت فيها فهمًا خاصًّا، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وقد سُئل: هل خصَّكم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بشيءٍ دون الناس؟ فقال: لا، والذي فَلقَ الحبَّة وبَرأ النَّسَمة، إلا فهمًا يؤتيه اللهُ عبدًا في كتابه (١).

فهذا الفهمُ هو بمنزلة الكلأ والعُشب الذي أنبتته الأرض (٢) , وهو الذي تميَّزت به هذه الطبقةُ عن الطبقة الثانية، وهي التي حَفِظَت النصوص، فكان


(١) تقدم تخريجه (ص: ١١٤).
(٢) انظر: «جامع المسائل» (١/ ١٢٦ - ١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>