للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باستواء الله عليه إنما أُخِذَ من جهة الشرع وخبَرِ الكتاب والسُّنة, بخلاف الإقرار بعلوِّ الله على الخلق من غير تعيين عرشٍ ولا استواء، فإن هذا أمرٌ فطريٌّ ضروريٌّ نجدُه في قلوبنا نحن وجميعُ من يدعو الله تعالى, فكيف ندفعُ هذه الضرورة عن قلوبنا؟!

والجارية التي قال لها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أين الله؟» قالت: في السماء، قال: «أعتِقْها فإنها مؤمنة» (١) جاريةٌ أعجمية، أرأيتَ مَنْ فقَّهَها وأخبَرها بما ذكرته؟! وإنما أخبَرت عن الفطرة التي فطرها الله تعالى [عليها]، وأقرَّها - صلى الله عليه وسلم - على ذلك وشَهِدَ لها بالإيمان.

فليتأمَّل العاقلُ ذلك يَجِدْه هاديًا له على معرفة ربه (٢) والإقرار به كما ينبغي، لا ما أحدثه المتعمِّقون والمتشدِّقون ممَّن سوَّل لهم الشيطانُ وأملى لهم.

ومن أمثلة ذلك: أن الذين لبَسوا الكلامَ بالفلسفة (٣) من أكابر المتكلمين تجدُهم يعدُّون من الأسرار المَصُونة والعلوم المخزونة ما إذا تدبَّره من له أدنى عقلٍ ودينٍ وجدَ فيه من الجهل والضلال ما لم يكن يظنُّ أنه يقعُ فيه هؤلاء، حتى قد يكذِّبُ بصدور ذلك عنهم.


(١). أخرجه مسلم (٥٣٧).
(٢). كذا في الأصل, على تضمين «هاديًا» معنى «دليلًا».
(٣). أي خلطوه بها, كالرازي والآمدي والشهرستاني. انظر: «منهاج السنة» (٣/ ٢٩٣, ٣٠٣) , و «الرد على الشاذلي» (١٤٠) , و «الصفدية» (٢/ ١١٣) , و «مجموع الفتاوى» (١٧/ ٣٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>