للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظهور البدع في كلِّ أمة، وهو خفاءُ سنن المرسَلين فيهم، وبذلك يقعُ الهلاك.

ولهذا كانوا يقولون: «الاعتصامُ بالسُّنة نجاة»، وقالوا: «السُّنة مثلُ سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها هلك» (١) , وهذا حقٌّ؛ فإن سفينةَ نوحٍ إنما رَكِبَها من صدَّق المرسَلين واتَّبعهم، وأن من لم يركبها فقد كذَّب المرسلين, واتِّباعُ السُّنة هو اتباعُ الرسالة التي جاءت من عند الله، فتابِعُها بمنزلة مَن رَكِبَ مع نوحٍ السفينةَ باطنًا وظاهرًا, والمتخلِّفُ عن اتباع الرسالة بمنزلة المتخلِّف عن اتباع نوحٍ عليه السَّلام وركوب السَّفينة معه.

وهكذا إذا تدبَّر المؤمنُ العليمُ سائر مقالات الفلاسفة وغيرهم من الأمم التي فيها ضلالٌ وكُفر، وجدَ القرآن والسُّنة كاشفًا (٢) لأحوالهم، مبيِّنًا لحقِّهم، مميِّزًا بين حقِّ ذلك وباطله.

والصحابةُ كانوا أعلمَ الخلق بذلك، كما كانوا أقومَ الخلق بجهاد الكفَّار والمنافقين، كما قال فيهم عبد الله بن مسعود: «من كان منكم مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بمن قد مات، فإن الحيَّ لا تُؤمَنُ عليه الفتنة، أولئك أصحابُ محمَّدٍ كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقَها علمًا، وأقلَّها تكلُّفًا، قومٌ اختارهم الله لصُحبة نبيِّه وإقامة دينه، فاعْرِفوا لهم حقَّهم، وتمسَّكوا بهَدْيهم، فإنهم كانوا على الهَدْي المستقيم» (٣).


(١) تقدم تخريج القولين (ص: ٨٢). وفي طرَّة الأصل عند الأول: «نقله الزهري عن العلماء» , وعند الثاني: «قاله مالك - رحمه الله -».
(٢) كذا في الأصل بالإفراد, وهو سائغٌ في العربية من باب الحمل على المعنى.
(٣) أخرجه الخطيب في «تلخيص المتشابه» (١/ ٤٦٠) , وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (١٨١٠) , وأبو إسماعيل الأنصاري في «ذم الكلام» (٧٥٨) , وفي إسناده انقطاع , قتادة لم يسمع من ابن مسعود.
وروي عن الحسن البصري, أخرجه الآجري في «الشريعة» (١١٦١, ١٩٨٤) , وابن عبد البر (١٨٠٧). وعن الحسن عن ابن عمر, أخرجه أبو نعيم (١/ ٣٠٥). والأول أشبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>