للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالاستدلال (١) بينهم اختلافٌ كثير= لم يُسْتَنكر وقوعُ نحوٍ من هذا في غيره، بل هو أولى بذلك؛ لأن الله قد ضَمِنَ حِفْظَ الذِّكر الذي أنزله على رسوله، ولم يَضْمَن حِفْظَ ما يُؤْثَر عن غيره؛ لأن ما بعثَ الله به رسولَه من الكتاب والحكمة هُدى الله الذي جاء من عند الله، وبه يُعْرَفُ سبيلُه, وهو حجَّتُه على عباده، فلو وقع فيه ضلالٌ لم يبيَّن لسقطت حجَّةُ الله في ذلك، وذهب هُداه، وعُمِّيَت سبيلُه؛ إذ ليس بعد هذا النبيِّ نبيٌّ آخر يُنْتَظَر ليبيِّن للناس ما اختلفوا فيه، بل هذا الرسولُ آخرُ الرُّسل، وأمَّتُه خيرُ الأمم؛ ولهذا لا يزالُ فيها طائفةٌ قائمةٌ على الحقِّ بإذن الله، لا يضرُّها من خالفها ولا من خذلها حتى تقوم السَّاعة.

الوجه الثاني: أن أبا الفرج نفسَه متناقضٌ في هذا الباب، لم يَثْبُت على قَدَم النفي ولا على قدم الإثبات (٢)،

بل له من الكلام في الإثبات نظمًا ونثرًا ما أثبت به كثيرًا من الصِّفات التي أنكَرها في هذا المصنَّف, فهو في هذا


(١) كما تقدم قبل قليل في من يقول: حكم الشريعة كذا, بحسب ما اعتقَده عن صاحب الشريعة وما بلغه وفَهِمَه. وعلَّق الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة في (ط) على كلمة «بالاستدلال» بقوله: كذا, والصواب «بالإسناد». فتعقبه الشيخ سليمان الصنيع وقال: «عندي في هذا الصواب نظر, فإن معنى كلام المصنف أن الأئمة الناقلين للشريعة بما فهموا منها فيهم اختلاف كثير, فمن باب أولى أن يغلط الناقلون عن الأئمة في معنى ما فهموا من كلامهم ... ».
(٢) قال الذهبي رادًّا على ابن الجوزي طعنه في أبي سعد السمعاني: «بل والله عقيدته في السنَّة أحسن من عقيدتك، فإنك يومًا أشعري ويومًا حنبلي، وتصانيفك تنبئ بذلك، فما رأينا الحنابلة راضين بعقيدتك ولا الشافعية». «تاريخ الإسلام» (١١/ ٩٩٣).

وانظر: «ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (٢/ ٤٦٦, ٤٨٧, ٣/ ٤٤٦ - ٤٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>