للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن كان هو وأمثاله ــ كما قدمتُ ــ مضطربين لا يَثْبُتون على قولٍ ثابت؛ لأن عندهم من الذكاء والطلب ما يتشوَّفون به إلى طريقةِ خاصَّةِ الخلق، ولم يقدَّر لهم سلوكُ طريقِ خاصَّةِ هذه الأمة الذين ورثوا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - العلمَ والإيمان، وهم أهلُ حقائق الإيمان والقرآن ــ كما قدَّمناه ــ وأهلُ الفهم لكتاب الله والعلم والفهم لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وإتْباع هذا العلم بالأحوال والأعمال المناسبة لذلك، كما جاءت به الرسالة.

ولهذا كان الشيخُ أبو عمرو بن الصلاح يقول ــ فيما رأيتُه بخطِّه ــ: «أبو حامدٍ كَثُر القولُ فيه ومنه، فأما هذه الكتب ــ يعني المخالِفةَ للحقِّ ــ فلا يُلْتَفَتُ إليها, وأما الرجلُ فيُسْكَتُ عنه ويُفَوَّض أمرُه إلى الله».

ومقصودُه أنه لا يُذْكَر بسوء؛ لأن عفوَ الله عن الناسي والمخطئ وتوبةَ المذنب تأتي على كلِّ ذنب، وذلك مِن أقرب الأشياء إلى هذا وأمثاله، ولأن مغفرة الله بالحسنات منه ومن غيره (١) وتكفيرَه الذنوب بالمصائب تأتي على مُحَقَّق الذنوب (٢)، فلا يُقْدِمُ الإنسانُ على انتفاء ذلك في حقِّ معيَّنٍ إلا ببصيرة، لا سيَّما مع كثرة الإحسان والعلم الصَّحيح والعمل الصَّالح والقصد الحسن.

وهو يميلُ إلى الفلسفة، لكنه أظهرَها في قالب التصوُّف والعبارات


(١) أي مِن عمله أو مما يهدى إليه من غيره من ثواب أعمالهم الصالحة. أما ما فعله غيره من الخير بإرشاده ودلالته فكان له مثل أجره فذاك من جملة عمله.
(٢) انظر: «منهاج السنة» (٥/ ٨٣, ٦/ ٢٣٨) , و «مجموع الفتاوى» (٣/ ١٥٥, ٣٥/ ٦٧) , و «جامع المسائل» (٣/ ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>