للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود هنا بيانُ ما يقوله هؤلاء الفلاسفة الباطنية فيما جاء به الرسول.

* والفريق الثاني منهم، يقولون: إن الرسول كان يعلمُ الحقَّ الثابتَ في نفس الأمر في التوحيد والمعاد، ويعرفُ أن الربَّ ليس له صفةٌ ثبوتية، وأنه لا يَرى ولا يتكلَّم، وأن الأفلاك قديمةٌ أزليةٌ لم تزل ولا تزال، وأن الأبدان لا تعود (١)، وأنه ليس لله ملائكةٌ هم أحياء ناطقون ينزلون بالوحي من عنده ويصعدون إليه= ولكن يقولُ بما عليه هؤلاء الباطنيةُ في الباطن، لكن ما كان يمكنُه إظهارُ ذلك للعامَّة؛ لأن هذا إذا ظهَر لم تقبله عقولهم وقلوبهم, بل يُنْكِرون ويَنْفِرون، فأظهرَ لهم من التخييل والتمثيل ما ينتفعون به في دينهم، وإن كان في ذلك تلبيسٌ عليهم وتجهيلٌ لهم واعتقادُهم الأمر على خلاف ما هو عليه، لما في ذلك من المصلحة لهم (٢).

ويجعلون أئمَّة الباطنية، كبني عبيد بن ميمون القَدَّاح الذين ادَّعوا أنهم من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر، ولم يكونوا من أولاده، بل كان جدُّهم يهوديًّا ربيبًا لمجوسيٍّ، وأظهروا التشيُّع, ولم يكونوا في الحقيقة على دينِ واحدٍ من الشِّيعة لا الإمامية ولا الزيدية, بل ولا الغالية الذين يعتقدون إلهية عليٍّ أو نبوَّته، بل كانوا شرًّا من هؤلاء كلهم؛ ولهذا كَثُر تصانيفُ المسلمين في كشف أسرارهم وهتك أستارهم (٣) , وكَثُر غزوُ المسلمين لهم,


(١) الأصل: «تقوم». تحريف.
(٢) كما تقدم (ص: ١٤٤).
(٣) للباقلاني «كشف الأسرار وهتك الأستار» , وللغزالي «فضائح الباطنية» , ولأبي شامة «كشف ما كان عليه بنو عبيد من الكفر والكذب والمكر والكيد» , ولغيرهم تآليف مفردة وكلام كثير مبثوث في التصانيف. وقد كتب العلماء من شتى المذاهب ببغداد سنة ٤٠٢ و ٤٤٤ محاضر في كشف باطلهم والقدح في أنسابهم وعقائدهم. انظر: «المنتظم» (١٥/ ٨٢) , و «تاريخ الإسلام» (٩/ ١٠, ٦٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>