للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا كان الحقُّ [والباطلُ] يطلقُ تارةً بمعنى: النفي والإثبات, فيقال: هذا حقٌّ أي ثابت، وهذا باطلٌ أي منتفٍ. وفي الأفعال بمعنى: التحصيل للمقصود، فيقال: هذا الفعل حقٌّ أي نافعٌ أو محصِّلٌ للمقصود، ويقال: باطلٌ أي لا فائدة فيه ونحو ذلك.

وأما زعمُهم أن البديهةَ والفطرة قد تحكُم بما يتبيَّن لها بالقياس فسادُه، فهذا غلط؛ لأن القياس لا بدَّ له من مقدماتٍ بديهيةٍ فطرية؛ فإن جُوِّز أن تكون المقدماتُ الفطريةُ البديهيةُ غلطًا من غير تبيين غلطِها إلا بالقياس لكان قد تعارضت المقدماتُ الفطريةُ بنفسها ومقتضى القياس الذي مقدماتُه فطرية. فليس ردُّ هذه المقدمات الفطرية لأجل تلك بأولى من العكس، بل الغلطُ فيما تقلُّ مقدماته أولى، فما يُعْلَمُ بالقياس وبمقدماتٍ فطريةٍ أقربُ إلى الغلط مما يُعْلَمُ بمجرَّد الفطرة. وهذا يذكرونه في نفي علوِّ الله على العرش ونحو ذلك من أباطيلهم (١).

والمقصود هنا أنهم لم يذكر متقدِّموهم (٢) المقدِّمات المتلقَّاة من الأنبياء، ولكنْ المتأخرون رتَّبوا على ذلك:

* إما بطريق الصَّابئة الذين لَبَسوا الحنيفيةَ بالصابئة، كابن سينا ونحوه.

* وإما بطريق المتكلِّمين الذين أحسنوا الظنَّ بما ذكره المنطقيُّون, وقرَّروا إثبات العلم بموجَب النبوَّات به.


(١) انظر: «الإشارات» لابن سينا (١/ ٤٠٣) , و «الأربعين» للرازي (١٥٢, ١٦١) , و «درء التعارض» (٦/ ١٤ - ٢٤, ١١٢) , و «بيان تلبيس الجهمية» (٤/ ٤٨٣, ٥٦٠).
(٢) كذا في الأصل. وفي (ط): «أن متقدميهم لم يذكروا».

<<  <  ج: ص:  >  >>