للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحكام العِلْمية (١) العقلية التي يثبتُها من يقولُ بالتحسين والتقبيح. ويزعمون أنا إذا رجعنا إلى محض العقل لم نجد فيه حكمًا بذلك.

وقد يمثِّلونها بأن الموجود (٢) لا بدَّ أن يكون مباينًا للموجود الآخر أو مُحَايِثًا له، أو أن الموجود لا بدَّ أن يكون بجهةٍ من الجهات، أو يكون جائزَ الرؤية. ويزعمون أن هذا من أحكام الوهم لا الفطرة العقلية. قالوا: لأن العقل يسلِّم مقدماتٍ يعلمُ بها فسادَ الحكم الأول.

وهذا كلُّه تخليطٌ ظاهرٌ لمن تدبَّره.

فأما تلك القضايا التي سمَّوها مشهوراتٍ غير معلومة, فهي من العلوم العقلية البديهية التي جَزْمُ العقول بها أعظمُ من جزمها بكثيرٍ من العلوم الحسابية والطبيعية، وهي كما قال أكثر المتكلِّمين من أهل الإسلام ــ بل أكثر متكلِّمي أهل الأرض من جميع الطوائف ــ: إنها قضايا بديهيةٌ عقلية، لكن قد لا يحسنون تفسيرَ ذلك؛ فإن حُسْنَ ذلك وقُبْحَه هو حسنُ الأفعال وقبحُها، وحسنُ الفعل هو كونُه مقتضيًا لما يطلبُه الحيُّ لذاته ويريدُه من المقاصد، وقبحُه بالعكس.

والأمر كذلك, فإن العلمَ والصِّدقَ والعدلَ هي كذلك محصِّلة (٣) لما يُطلبُ لذاته ويُرادُ لنفسه من المقاصد، فحُسْنُ الفعل وقبحُه هو لكونه محصِّلًا للمقصود المراد بذاته أو منافيًا لذلك.


(١) الأصل: «العملية». تحريف. وانظر: «الرد على المنطقيين» (٤٢٠, ٤٤١).
(٢) الأصل: «الوجود». وانظر: «درء التعارض» (٦/ ١١٢).
(٣) الأصل: «يحصله». والمثبت من (ط).

<<  <  ج: ص:  >  >>